موقع شاهد فور

لا احساس ولا ضمير

June 28, 2024

هل يشعر الظالم بأنه يظلم بالقدر نفسه الذي يشعر به المظلوم عندما يتعرض للظلم؟ ربما يبدو هذا السؤال هو الآخر فلسفياً تنظيرياً أكثر منه واقعياً. فحين يوقفك شرطي المرور، على سبيل المثال، في الشارع، بتهمة قيادة سيارتك بطيش وتهور، وتعتقد أنت أنك لم تقد سيارتك بطيش وتهور، وإنما حاولت أن تتفادى سيارة أخرى كانت على وشك أن تصطدم بك. عيشوا بلا ضمير ولا احساس أفضل. هنا يصبح للعدالة وجهان؛ وجه يراه شرطي المرور ولا تراه أنت، ووجه تراه أنت ولا يراه شرطي المرور الذي يخرج دفتره لمخالفتك، ويصبح القاضي، بعد أن تُحوَّل القضية إلى المحكمة، هو الفيصل الذي يحكم بين ما يراه الطرفان. برغم أنه لم يشهد الواقعة، ويصبح تقرير شرطي المرور ودفاعك أنت عن نفسك هما ما يوجه كفة ميزان العدالة، وإلى أي ناحية تميل؛ إلى ناحيتك أنت الذي تعتقد يقيناً أنك مظلوم، أم ناحية التقرير الذي أعده شرطي المرور الذي يعتقد هو الآخر يقيناً أنه لم يظلمك. لهذا، فإن القضاة يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة وهم يصدرون أحكامهم محاولين تطبيق العدالة، ولذلك فإننا كثيراً ما نسمع كلمة «ضمير المحكمة» تتردد أثناء النطق بالأحكام من قبل القضاة الذين يصدرون الأحكام، قائلين في بداية النطق بها «وقد استقر في ضمير المحكمة»، كي يبعدوا عن أنفسهم شبهة الظلم التي قد تلصق بها.

الإحساس بالظلم

الحرب من أجل العدل والحرية، والديمقراطية والسلام!! هكذا يزعمون، وتزعم معهم عصبة من بعض كتاب العرب أُعدت سلفاً لمثل هذا الأمر، فوقفت تباركه وتدافع عنه ببسالة وشجاعة منزوعة الحياء والخجل. إلى درجة أن أحد سماسرة التبشير والعولمة الأمريكية ودراويشه وقساوسته، والذي نذر قلمه ونفسه حتى الموت فداء لقبعة الكاوبوي في الفضاء العربي.. الإحساس بالظلم. أقول إلى درجة أنه منح شهادة براءة، ووزع صكوك غفران لكل جنود الاحتلال في إحدى مقالاته التي تدور في هذا السياق، وأن الجندي الأمريكي البريء الذي يدمر البيوت ويسحلها فوق رؤوس سكانها ويمنع الدم عن المرضى ويسد أبواب المستشفيات أمام الجرحى ويلاحق الأطفال الجرحى في المستشفيات ويقتلهم.. لا ذنب له في ذلك مطلقاً وإنما هو ذنب ظروف تاريخية سابقة وأن الأمريكي جاء لمعالجتها بهذه الطريقة..!! ألم أقل لكم إنه عالم مخبول ومختل وغير طبيعي؟! أبَعد هذه الفظائع والفجائع، وهذه النوازل والكوارث، وبعد هذه المجازر والمقابر الجماعية والحرق والحرائق الجماعية، والدماء التي أغرقت وجه الأرض، والأشلاء التي سدت منافذ الدروب.. أبعد هذا الصلف، والغطرسة، والكبرياء، والتمثيل بأهلنا وشعوبنا في العراق وفلسطين جهرة وأمام العالم كله على جميع قنواته التلفزيونية.. أبعد هذا كله نجد من بين ظهرانينا من يزعم أن ذلك من أجل رفاهيتنا ومستقبلنا الحر النزيه؟!!

عيشوا بلا ضمير ولا احساس أفضل

يؤكد الواقع اليومي اللبناني الميؤوس منه أنّ حال البلد كـ»مرضٍ مستعصٍ»، وأنّ أمام مسؤولين «بلا إحساس» وبلا ضمير أيضاً يصرّون على إغراق الشعب اللبناني في مستنقع اليأس والإحباط، وأنّهم يمارسون أكبر عملية خداعٍ واحتيال في تاريخ لبنان وشعبه بادّعاء أنّهم فعلاً مسؤولين، وأنّهم يتحمّلون مسؤوليات هذا البلد ويضعون مصالح شعبه فوق وقبل الجميع.

تتصاعد وتيرة معايشة لبنان مواجهة حقيقيّة ومستمرّة لمحاولات السيطرة الإيرانية التي لا تكلّ ولا تملّ من عزمها على إحكام السيطرة عليه عبر حزب الله ذراعها العسكري فيه، تجربة فرض استمرار الرحلات الجوية بين لبنان وإيران تؤكّد أنّ لبنان بات بالفعل في القبضة الإيرانية وقٌضي الأمر!! لم تعد النّاس تحتمل هذه المهازل والاستهتار والعيش على هذا المنوال من القلق ومن المؤسف أنّ كلّ محاولات الطمأنة تنهار على رؤوس مروّجيها الّذين يعدوننا بحلول ثمّ نجدهم «يقبّرون» يعجز هؤلاء حتى عن تسكين مخاوف جديّة تعصف بأذهان اللبنانيّين.. منذ العام 2005 ووضع اللبنانيّين ينحدر بثبات وقوّة بفعل الأزمات التي توالت على لبنان وعليهم حتّى أوصلتهم سياسة الحكومات المتعاقبة والفرقاء السياسيّين المتعنّتين إلى هذا الحال المخيف اليوم، والذي يبدو أنه لا مفرّ لهم من عيشه وهم صاغرون! هذا الذلّ الذي يطارد اللبنانيين في مشاهدهم طوابير أمام أفران الخبز وأمام محطات البنزين وعند كونتوارات شراء بطاقات السفر في المطار وعلى كونتوارات المصارف التي نهبت أموالهم، كأنّهم لم يشبعوا منه، إذا لم يخف الإنسان على صحته وصحة أولاده من وباء يضرب العالم ـ بصرف النظر عن رضوخه للتلوث في هوائه ومياهه ولقمته ـ فعلى ماذا سيخاف؟!

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]