موقع شاهد فور

زهير بن ابي سلمى

June 26, 2024

إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ عَوَانٌ مُضِرّةٌ * ضروسٌ تهرُّ الناسَ أنيابها عصلُ لقحت حرب: أي حملت، استعارة لاشتدادها، وعوان: أي ليست هي الحرب الأولى، بل هي حرب متكررة سبقت بحروب، فهي أشد من البكر. وضروس: أي عضوض، وتهر الناس: تجعلهم يرهون كالكلاب، وأنيابها عصل: الأنياب: جمع ناب، أي: كالحة معوجة. قُضاعِيّةٌ أوْ أُخْتُها مُضَرِيّةٌ * يحرقُ في حافاتها الحطبُ الجزلُ قضاعية: أي الحرب، منسوبة إلى قضاعة، وقوله: مضرية: أي منسوبة إلى مضر، وقيل: قضاعة من معد ومضر من حمير، والجزل: الغليظ. تَجِدْهُمْ على ما خَيّلَتْ همْ إزاءها * وَإنْ أفسَدَ المالَ الجماعاتُ والأزْلُ تجدهم: جواب إذا في قوله: "إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ عَوَانٌ"، على ما خيلت: أي على ما أوهمت، أي: على كل حال، وإزاءها: متعلق بتجدهم، أي: تجدهم مدبريها، مدبرين هذه الحرب. والمال: الإبل، والجماعات: أن يجتمعوا في موضع لا تخرج إبلهم إلى الرعي فتنحر. والأزل: هو حبسهم لها عن الرعي. ومعنى البيت: أنهم لا يقعدون عن الحرب، ولا عن نحر إبلهم، فهم ليسوا مثل غيرهم من الناس الذين يجبنون عن الحرب، ويبخلون بنحر إبلهم. معلقه زهير بن ابي سلمى. يحشونها، بالمشرفية والقنا * وَفِتيانِ صِدْقٍ لا ضِعافٌ ولا نُكلُ يحشونها: أي يوقدونها، أي: الحرب، والمشرفية: السيوف المنسوبة إلى مشارف الشام، والقنا: الرماح، ونكل: أي جبناء.

معلقه زهير بن ابي سلمى

وزهير عريق في الشعر، كان له فيه ما لم يكن لغيره وليس هذا فحسب فإنه عاش للشعر يعلّمه ابنيه بجيرًا وكعبًا من جهة، وأناسًا آخرين من غير بيته أشهرهم الحطيئة، فهو تلميذه وخرّيجه. وفي أخباره مع ابنه كعب ما يدل على الطريقة التي كان يخرّج بها الشعراء، فقد كان يلقنهم شعره فيروونه عنه، وما يزالون يتلقونه حتى ينطبع في أنفسهم طريقة نظم الشعر وصوغه، وهو في أثناء ذلك يمتحن قدرتهم، بما يلقي عليهم من أبيات يطلب إليهم أن يجيزوها بنظم بيت على غرار البيت الذي ينشده في الوزن والقافية، ولابنه كعب قصيدة معروفة في مديح الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي ذائعة مشهورة. ويقال: إنه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير، وفي الإسلام ما اتصل في ولد جرير. وقيل: إن زهيرًا كان راوية أوس بن حجر زوج أمه، وكان أوس راوية الطفيل الغنوي وتلميذه. معلقة زهير بن ابي سلمى. وقد جمعت أشعاره في ديوان شرحه ثعلب المتوفى سنة 291هـ. ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وقد طبع سنة 1323هـ. وشرحه الشنتمري المعروف بالأعلم المتوفى سنة 476هـ. وقد طبع هذا الشرح في ليدن سنة 1306هـ. وله شروح أخرى ضاعت أو لم نقف عليها. وقد ترجم كثير من ديوانه إلى الألمانية، وللمستشرق الألماني: ديروف "DYROFF" كتاب في زهير وأشعاره بالألمانية طبع في منشن سنة 1892م.

وأشهر شعره معلّقته التي مطلعها: "أمِنْ أُمّ أوْفى دمنة لَمْ تكلَّم"، ويتميز بمتانة لغته وقوة تركيبه، وكثرة الغريب في شعره، وبتطلبه حقيقة المعنى الوضعي ليخرجه على ماديته الحقيقية، وبتحكيمه عقله ورويته في تصوراته وخياله، فلا يبتعد، إلا في النادر، عن الحقائق الواقعية المحسوسة. وهو أشهر شعراء الجاهلية في إعطاء الحكمة وضرب المثل، وعرف في حياته بالرصانة والتعقّل، وهو شخصية ممتازة من شخصيات الشعر الجاهليّ، شخصية فيها بر ورحمة وفيها نزعة قوية إلى الخير. وآراؤه ليست إلا من أوليات التفكير الإنساني وتفكير الشعب، وهذه الآراء هي التي جعلته قريبًا من الشعب؛ لأنه كان يكلمه فيها بما يعرف ويألف. كتب خصائص شعر زهير بن أبي سلمى - مكتبة نور. وتحكيمه عقله في شعره، وإعماله تفكيره فيه، أضعفا عمل خياله، وعمل عاطفته، فلا تجد لهما عنده من الحّظ إلا يسيرًا، ومما يدل على تعقله وحنكته وسعة صدره حكمه في معلقته. وقد جمع خلاصة التقاضي في بيت واحد وهو: وإنَّ الحق مَقطَعُهُ ثلاثٌ … يمين أو نفارٌ أو جِلاءُ ولا ريب أنَّ لكبر سنة تأثيرًا في خمود عاطفته وضعف خياله، فكل شعره يدلنا على أنه نظمه في حرب داحس والغبراء، وبعدها خاصة عندما بلغ الثمانين على حدّ قوله، أو تجاوزه، فمن البديهي أن يغلب عليه التعقل والترصن، وأن يكون للعقل العمل المهيمن في نتاجه الشعريّ.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]