موقع شاهد فور

مثالان من بلاغة القرآن يعجز البلغاء عندهما

June 26, 2024

وحكمة إرسائها على جبل أنّ جانب الجبل أمكَن لاستقرار السفينة عند نزول الرّاكبين لأنّها تخف عندما ينزل معظمهم فإذا مالت استندت إلى حانب الجبل. و { بعداً} مصدر ( بعدَ) على مثال كَرُم وفَرح ، منصوب على المفعولية المطلقة. وهو نائب عن الفعل كما هو الاستعمال في مقام الدعاء ونحوه ، كالمدح والذم مثل: تَبّاً له ، وسحقاً ، وسَقْياً ، ورَعْياً ، وشكْراً. والبعد كناية عن التحقير بلازم كراهية الشيء ، فلذلك يقال: بَعِد أو نحوه لمن فُقِدَ ، إذا كان مكروهاً كما هنا. ويقال: نفي البعد للمرغوب فيه وإن كان قد بعد ، فَيقَالُ للميّت العزيز كما قال مالك بن الرّيْب:... يقولون لا تَبْعَدْ وهم يدفِنوني وأيْنَ مكانُ البعد إلاّ مَكانِيا... وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء. وقالت فاطمة بنت الأَحْجَم:... إخْوَتِي لا تَبْعَدُوا أبداً وبَلى والله قد بَعِدوا... والأكثر أن يقال ( بعِد) بكسر العين في البعد المجازي بمعنى الهلاك والموت ، و ( بعُد) المضموم العين في البعد الحقيقي. والقوم الظالمون هم الذين كفروا فغرقوا. والقائل ( بعداً) قد يكون من قول الله جرياً على طريقة قوله: { وقيل يا أرض ابلعي ماءك} ويجوز أن يقوله المؤمنون تحقيراً للكفّار وتشفّياً منهم واستراحة ، فبنِيَ فعل { وقيل} إلى المجهول لعدم الحاجة إلى معرفة قائله.

يا أرض ابلعي ماءك – موسوعة الكحيل للاعجاز العلمي

وقيل { ماءَك} بالإفراد دون الجمع لما كان في الجمع من صورة الاستكثار المتأتي عنها مقام إظهار الكبرياء والجبروت.. وإنما لم يقل { ابلعي} بدون المفعول أن لا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء بأسرهنّ نظراً إلى مقام ولأرود أمر الذي هو مقام عظمة وكبرياء. يا أرض ابلعي ماءك – موسوعة الكحيل للاعجاز العلمي. ثم إذ بَيّن المرادَ اختصر الكلام مع { اقلعي} احترازاً عن الحشْو المستغنى عنه ، وهو الوجه في أن لم يقل: قيل يا أرض ابلعي ماءك فبلَعَت ، ويا سماء أقلعي فأقلعت.. وكذا الأمر دون أن يقال: أمرُ نوح عليه السّلام وهو إنجاز ما كان الله وعد نوحاً عليه السّلام من إهلاك قومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك. ثم قيل: { بعداً للقوم الظالمين} دون أن يقال: ليبعَد القومُ ، طلباً للتأكيد مع الاختصار وهو نزول { بعداً} منزلة ليبعَدُوا بعداً ، مع فائدة أخرى وهي استعمال اللاّم مع ( بعداً) الدّال على معنى أن البعد يحقّ لهم. ثم أطلق الظلم ليتناول كلّ نوع حتى يدخل فيه ظلمهم أنفسهم لزيادة التنبيه على فظاعة سوء اختيارهم في تكذيب الرسل. وأمّا من حيث النظر إلى ترتيب الجمل ، فذلك أنه قد قدّم النداء على الأمر ، فقيل: { يا أرض ابلعي ويا سماء أقلعي} دون أن يقال: ابلعي يا أرض وأقلعي يا سماء ، جرياً على مقتضى اللازم فيمن كان مأموراً حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكّن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادَى قصداً بذلك لمعنى الترشيح.

مثالان من بلاغة القرآن يعجز البلغاء عندهما

وقوله سبحانه: (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، دعاء أوجبه الاحتراس ممن يظن أن الهلاك ربما شمل من لا يستحق، فدعا الله سبحانه وتعالى على الهالكين، وسمّاهم ووصفهم بالظلم احتراساً من هذا الاحتمال، وذلك يقتضي أن يكون بعد كل ما تقدم. فانظر إلى حسن هذا النسق، كيف وقع القول فيه وفق الفعل سواء؟!! وقد حكي أن ابن المقفع العبدي حاول معارضة القرآن، فلما بلغ إلى هذه الآية أمسك عن المعارضة وقال: هذه الفصاحة التي لا تبارى، والبلاغة التي لا يسابق المتكلم بها ولا يجارى، والقول الفصل الذي لا يختلف فيه ولا يتمارى!! وقيل يا أرض ابلعي ماءك بلاغة. (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ... ) قال تعالى في سورة النساء:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا). تأمل هاتين الآيتين العظيمتين تدرك أن الله تعالى جعل المنافقين شراً من شر الكافرين كآل فرعون، لأنه جعلهم في الدرك الأسفل من النار، وجعل أولئك في أشد العذاب، حيث قال في سورة غافر:(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).

عرض وقفة أسرار بلاغية | تدارس القرآن الكريم

ونشرح فيما يلي هذه الوجوه البديعية. 1- المناسبة التامة بين (ابلعي) و (أقلعي). 2- الاستعارة فيهما. 3- الطباق بين (الأرض) و(السماء). 4- المجاز في قوله (يا سماء) فإن الحقيقة يا مطر السماء. 5- الإشارة في (وغيض الماء) فإنه عبر به عن معان كثيرة ، لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء ، وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء. 6- الإرداف في قوله ( واستوت على الجودي) فإنه عبر عن استقرارها في المكان بلفظ قريب من لفظ المعنى. 7- التمثيل في قوله (وقضي الأمر) فإنه عبر عن هلاك الهالكين ونجاه الناجين ، بلفظ بعيد عن المعنى الموضوع. مثالان من بلاغة القرآن يعجز البلغاء عندهما. 8- التعليل ، فإن (غيض الماء) علة الاستواء. 9- صحة التقسيم ، فإنه استوعب أقسام الماء حالة نقصه ؛ من احتباس ماء السماء ، والماء النابع من الأرض ، ثم ابتلاع الماء الذي على ظهرها (وغيض الماء). 10- الاحتراس في قوله (وقبل بعيداً للقوم الظالمين) فهذا الدعاء يشعر بأنهم مستحقو الهلاك ، احتراساً من ضعيف يتوهم أن الهلاك لعمومه ربما شمل المستحق وغير المستحق. 11- المساواة في الآية ، وهي الوسط بين الإيجاز والإطناب. 12- حسن التنسيق ، فإنه تعالى قص القصة وعطف بعضها على بعض بحسن الترتيب. 13- ائتلاف اللفظ مع المعنى ، لأن كل لفظة لا يصلح لمعناها غيرها.

وذلك أنهم جمعوا إلى الكفر الاستهزاء بالإسلام وأهله، وبسبب أنهم لما كانوا يظهرون الإسلام يمكنهم الاطلاع على أسرار المسلمين، ثم يخبرون الكفار بذلك، فكانت تتضاعف المحنة من هؤلاء المنافقين، فلهذا جعل الله عذابهم أزيد من عذاب الكفار، وأغلظ في شروط توبتهم: التوبة، والإصلاح، والاعتصام بالله، وهو أن يكون غرضه من التوبة وإصلاح العمل طلب مرضاة الله تعالى لا طلب مصلحة الوقت، لأنه لو كان مطلوبه جلب المنافع ودفع المضار لتغير عن التوبة وإصلاح العمل سريعاً، أما إذا كان مطلوبه مرضاة الله تعالى وسعادة الآخرة والاعتصام بدين الله بقي على هذه الطريقة ولم يتغير عنها، كما يقول الفخر الرازي. عرض وقفة أسرار بلاغية | تدارس القرآن الكريم. والشرط الرابع: إخلاص الدين لله، ولم يشترط ذلك على غيرهم، لأن المنافقين كانوا قد أفسدوا، وخانوا الله، ولم يخلصوا دينهم لله، بل نافقوا، والنفاق ذنب القلب، والإخلاص توبته. ثم قال الله تعالى: (فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ولم يقل: «فأولئك هم المؤمنون»، لتكون محصلة أمرهم الشهادة الظاهرية لهم بالإيمان فقط. والله أعلم. * مدير الجامعة القاسمية - الشارقة

(وَغِيضَ الْمَاء) أيضاً البناء للمجهول. ثم قال (وَقُضِيَ الأَمْرُ) الأمر الذي أراده ربنا (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) الأمر هذا نجاة من نجى وإهلاك من هلك بأوجز عبارة (قضي) بمعنى انتهى. سؤال: هذا هو المقصود بقوله (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40) هود)؟ هذا هو الأمر نجاة من نجى وإهلاك الظالمين. ثم قال (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) أيضاً لم يذكر الفاعل لأنه معلوم (السفينة) وهو ذكر (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ (42) هود) ذكر الفاعل في الأول فقال (وَاسْتَوَتْ) وكان استواؤها بعد انقضاء الأمر، استوت بمعنى وقفت، رست. والجودي قالوا جبل قالوا في الموصل أو تركيا. استوت على الجودي بعد قضاء الأمر. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) يدل على الأمان. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أيضاً بنى الفعل للمجهول، من القائل؟ القائل هو الله والملائكة والصالحين كلهم يقولون بعداً للقوم الظالمين، سؤال: ما دلالة هذا التركيب (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)؟ بعداً يعني هلاكاً وبعداً وسحقاً لهم. (بعداً) أيضاً على الإيجاز لم يأت بالفعل وإنما جاء بالمصدر بدون ذكر فاعل وهي أوجز حالة.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]