[8] شاهد أيضًا: تفسير اية واخفض لهما جناح الذل من الرحمة هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، حيث شرحنا هذه الآية الكريمة وذكرنا سبب نزولها، كما تحدّثنا عن معنى الفظ وغليظ القلب، كما ذكرنا بعضًا من صفات النّبيّ صلى الله عليه وسلّم.
وحمل القفال رحمه الله هذه الآية على واقعة أحد قال: ( فبما رحمة من الله لنت لهم) يوم أحد حين عادوا إليك بعد الانهزام ( ولو كنت فظا غليظ القلب) وشافهتهم بالملامة على ذلك الانهزام لانفضوا من حولك ، هيبة منك وحياء بسبب ما كان منهم من الانهزام ، فكان ذلك مما لا يطمع العدو فيك وفيهم. [ ص: 53] المسألة الثالثة: اللين والرفق إنما يجوز إذا لم يفض إلى إهمال حق من حقوق الله ، فأما إذا أدى إلى ذلك لم يجز ، قال تعالى: ( ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) [التوبة: 73] وقال للمؤمنين في إقامة حد الزنا: ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) [النور: 2]. وهاهنا دقيقة أخرى: وهي أنه تعالى منعه من الغلظة في هذه الآية ، وأمره بالغلظة في قوله: ( واغلظ عليهم) فهاهنا نهاه عن الغلظة على المؤمنين ، وهناك أمره بالغلظة مع الكافرين ، فهو كقوله: ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) [المائدة: 54] وقوله: ( أشداء على الكفار رحماء بينهم) [الفتح: 29] وتحقيق القول فيه أن طرفي الإفراط والتفريط مذمومان ، والفضيلة في الوسط ، فورود الأمر بالتغليظ تارة ، وأخرى بالنهي عنه ، إنما كان لأجل أن يتباعد عن الإفراط والتفريط ، فيبقى على الوسط الذي هو الصراط المستقيم ، فلهذا السر مدح الله الوسط فقال: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا) [البقرة: 143].
من هو غليظ القلب هل سبق لك التعامل مع شخص سيء الطباع، يهابه الناس بسبب سوء معاملته، وقسوة قلبه، ويعتبر هو نفس الشخص الذي تجده وحيدا في كل شيء، لا يقبل عليه الناس ويبعدون عنه بكل الطرق. فالقسوة هي من أسوء صفات الانسان، وخاصة إذا كانت تلك القسوة تخص الأقربون منه، وعلى غرار ذلك، قد قابلت طيب القلب الذي يستطيع برحمة قلبه، وطيب لسانه أن يجلب لنفسه محبة الله ومحبة الناس من حوله. حيث قد ذكر ذلك في حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض. ونستنتج من خلال ذلك أن طيب القلب يحبه الله ويجعل المحبة له في قلوب الناس، أما غليظ القلب أو قاسي القلب، فيمقته الله ومن ثم يزرع الكره في قلوب أهل الأرض له. ويتمثل ذلك في القبول الذي قد تشعر به والطمأنينة الغريبة التي تنتابك بمجرد التعامل مع شخصا طيب، أما قاسي القلب فستشعر بعدم القبول ناحيته، ولا حتى التعامل معه.