القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش ﴿مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ يعني: ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم؛ يقال منه: هو بدع في هذا الأمر، وبديع فيه، إذا كان فيه أوّل. ومن البدع قول عديّ بن زيد. فَلا أنا بِدْعٌ مِنْ حَوَادِث تَعْتَرِي... رِجَلا عَرَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى وَأَسعد [[البيت لعدي بن زيد (شعراء النصرانية ٤٦٥) وروايته فيه: فلست بمن يخشى حوادث تعتري... رجالا فبادوا بعد بؤس وأسعد وليس فيه شاهد على هذه الرواية؛ وقد استشهد به المؤلف على أنه يقال: هو بدع في هذا الأمر، على معنى ما كنت أول الناس فيه وقوله تعالى: " قل ما كنت بدعا من الرسل ": معناه ما كنت أول من أرسل، قد أرسل قبلي رسل كثير. إعراب قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا الآية 9 سورة الأحقاف. ]] ومن البديع قول الأحوص: فَخَرَتْ فانْتَمَتْ فقُلْتُ انْظُرِيني... ليسَ جَهْلٌ أتَيتُه بِبَدِيع [[يقول الأحوص: فخرت علي وانتسبت إلى آبائها.
{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أي: لست بأول رسول جاءكم حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي فقد تقدم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم فلأي شيء تنكرون رسالتي؟ { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} أي: لست إلا بشرا ليس بيدي من الأمر شيء والله تعالى هو المتصرف بي وبكم الحاكم علي وعليكم، ولست الآتي بالشيء من عندي، { وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} فإن قبلتم رسالتي وأجبتم دعوتي فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك علي فحسابكم على الله وقد أنذرتكم ومن أنذر فقد أعذر.
رواه البخاري.
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}: كلما تليت آيات الله وأحكامه أمام المعاندين المعادين للرسالة كلما ازدادوا كفراً وعناداً وبدأوا في إلصاق التهم والأوصاف المشوهة للرسالة وحامليها. ويكفي أن الله شهيد على عباده وعلى أفعالهم يحصيها عليهم, سواء آمنوا أم كفروا وسواء صدقوا الرسل أم كذبوهم وادعوا أنهم اخترعوا رسالاتهم. وما محمد صلى الله عليه وسلم إلا رسول مثل من سبقه من الرسل ورسالته موافقة لما قبلها ومكملة لكل الأحكام, وهو صلى الله عليه وسلم ناقل للرسالة عن رب العزة سبحانه مبلغ ما أنزل إليه, فآمن به من آمن وصدق به من أهل الكتب السابقة من صدق و في نهاية الأمر فالله سيجمع المؤمن والمجرم ويحسم بينهم ويحكم بالعدل وساعتها سيعلم الظالم أي سبيل سلك.
ليصيبنهم الذل والخزي والعار والفقر والبلاء في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد وأبقى في جهنم. وهذه الكلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنية ما زالت كما هي، والله! ما الرسول صلى الله عليه وسلم إلا نذير مبين، فمن استجاب لدعوته ومشى وراءه وطبق شرعه سعد وتمت سعادته في الدنيا، أما في الآخرة فلا تسأل، فإن الجنة دار المتقين، دار الأبرار، ومن أعرض عنه ولم يستجب لنذارته ولا لتخويفه ولا لتوعده، وأعرض واستمر على الكفر والفسق والفجور فوالله! ليشقين في الدنيا والآخرة معاً والعياذ بالله تعالى. كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] هذه خلاصة القرآن والدعوة المحمدية: ما آتاكم خذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، ما أذن في فعله وقوله وأباح فافعلوا، وما نهى عنه وحرم فاتركوه. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيات
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في "ناسِخِهِ"، مِن طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ قالَ: نَسَخَتْها هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي في "الفَتْحِ"، فَخَرَجَ إلى النّاسِ، فَبَشَّرَهم بِالَّذِي غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ: هَنِيئًا لَكَ يا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنا الآنَ ما يُفْعَلُ بِكَ، فَماذا يُفْعَلُ بِنا؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ في الأحْزابِ: ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأنَّ لَهم مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٧] (p-٣١٤)[الأحْزابِ: ٤٧]. وقالَ: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ويُكَفِّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ [الفتح: ٥] [الفَتْحِ: ٥] فَبَيَّنَ اللَّهُ ما بِهِ يُفْعَلُ بِهِ وبِهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ والحَسَنِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبُخارِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، «عَنْ أُمِّ العَلاءِ - وكانَتْ بايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ - أنَّها قالَتْ: لَمّا ماتَ عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ قُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أبا السّائِبِ، شَهادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ اللَّهُ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ؟ أمّا هو فَقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ مِن رَبِّهِ، وإنِّي لَأرْجُوَ لَهُ الخَيْرَ، واللَّهِ ما أدْرِي - وأنا رَسُولُ اللَّهِ - ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكم.