كان الجاحظ موسوعة تمشي على قدمين، وتعتبر كتبه دائرة معارف لزمانه، كتب في كل شيء تقريبًا؛ كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء والسلطان والجند والقضاة والولاة والمعلمين واللصوص والإمامة والحول والعور وصفات الله والقيان والهجاء. أما عن منهجه في معرفة الحلال والحرام فيقول: "إنما يعرف الحلال والحرام بالكتاب الناطق، وبالسنة المجمع عليها، والعقول الصحيحة، والمقاييس المعينة" رافضًا بذلك أن يكون اتفاق أهل المدينة على شيء دليلاً على حله أو حرمته؛ لأن عظم حق البلدة لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولأن أهل المدينة لم يخرجوا من طباع الإنس إلى طبائع الملائكة "وليس كل ما يقولونه حقًا وصوابًا". فقد كان الجاحظ لسان حال المعتزلة في زمانه، فرفع لواء العقل وجعله الحكم الأعلى في كل شيء، ورفض من أسماهم بالنقليين الذين يلغون عقولهم أمام ما ينقلونه ويحفظونه من نصوص القدماء، سواء من ينقلون علم أرسطو، أو بعض من ينقلون الحديث النبوي. فإذا كان بعض فلاسفة الشرق والغرب فد وقفوا أمام أرسطو موقف التلميذ المصدق لكل ما يقوله الأستاذ فإن الجاحظ وقف أمام أرسطو عقلا لعقل؛ يقبل منه ما يقبله عقله، ويرد عليه ما يرفضه عقله، حتى إنه كان يسخر منه أحيانا.. ص147 - كتاب مناهج التأليف عند العلماء العرب - الفصل الأول أبو عثمان الجاحظ - المكتبة الشاملة. ففي كتابه الحيوان يقول الجاحظ عن أرسطو وهو يسميه صاحب المنطق: "وقال صاحب المنطق: ويكون بالبلدة التي تسمى باليونانية "طبقون"، حية صغيرة شديدة اللدغ إلا أنها تُعالج بحجر يخرج من بعض قبور قدماء الملوك-، ولم أفهم هذا ولمَ كان ذلك؟! "
يعتمد أدب الجاحظ على عناصر شتَّى، أقواها بلاغة العرب في الجاهلية والإسلام، والكتاب والسُّنة، وما نُقل إلى العربية من آداب الفرس واليونان والهنود وفلسفتهم، ولكن أظهر ما يكون فيه الرأي الشخصي والتفكير الحر. لئن كان ابن المقفع إمام الكُتَّاب في عصر الترجمة، فالجاحظ إمامهم في عصر الوضع والتأليف والإبداع وتكوين الأدب الحضري المرتكز على أسس العلم والمدنية والتفكير من غير أن يفقد شيئًا من فصاحة البداوة وروعتها. وهكذا فالجاحظ شرع طريقة التأليف في الأدب، وكلُّ من ألَّف بعده متأثر بطريقته شَعَرَ أم لم يشعر. قال ابن النديم في الفهرست: «ابن خلاد الرامهرمزي حسن التأليف مليح التصنيف، يسلك طريقة الجاحظ»، وقال أيضًا: «الآمدي مليح التصنيف جيد التأليف، متعاطي مذهب الجاحظ فيما يعمله من الكتب. من هو الجاحظ الثاني. » ولم يقف أثره عند هذا الحد، بل تعداه إلى أن أصبحت الكُتَّاب تترسم خطاه في الإنشاء، بل تقتبس جُمَله ذات الجلبة في السمع والروعة في النفس. قال القاضي الفاضل: «وأمَّا الجاحظ، فما مِنَّا — معشرَ الكُتَّاب — إلا مَن دخل داره، أو شنَّ على كلامه الغارة، وخرج وعلى كتفه منه الكارة. » والجاحظ يكره التكلف كما يكره الإسفاف، ويعجب بالطبع السليم كما يعجب بالفكر الثاقب.
الجاحظ (اسمه ونسبه):: أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب الكناني الليثي البصري، (159-255 هـ) أديب عربي من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها. كان ثَمَّةَ نتوءٌ واضحٌ في حدقتيه فلقب بالحدقي ولكنَّ اللقب الذي التصق به أكثر وبه طارت شهرته في الآفاق هو الجاحظ، ، عمّر الجاحظ نحو تسعين عاماً وترك كتباً كثيرة يصعب حصرها، وإن كان البيان والتبيين، كتاب الحيوان، البخلاء أشهر هذه الكتب. كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء وغيرها. الجاحظ .. العقل أولاً - إسلام أون لاين. قال ابن خلدون عند الكلام على علم الأدب: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة كتب هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، كتاب الكامل للمبرد، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها». (مولده ونشأته):: ولد في مدينة البصرة نشأ فقيرا، وكان دميما قبيحا جاحظ العينين. طلب العلم في سن مبكّرة، فقرأ القرآن ومبادئ اللغة على شيوخ بلده، ولكن اليتم والفقر حال دون تفرغه لطلب العلم، فصار يبيع السمك والخبز في النهار، ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل فكان يقرأ منها ما يستطيع قراءته.