موقع شاهد فور

أفلح إن صدق

June 30, 2024

عبارة يرددها الكثيرون وهي جملة وردت في حديث نبوي شريف عن طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجدٍ، ثائرُ الرأس، نسمع دويَّ صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرُهن؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلا أن تطوَّع، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع. لا دلالة على فعل المعاصي في حديث والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص - إسلام ويب - مركز الفتوى. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق». فضيلة الصدق مثلها مثل العديد من الفضائل كالكرم والإحسان والإيثار قد حثت عليها كل الشرائع السماوية والكثير من القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان سعيا وراء تكوين مجتمع مثالي تضبطه سلوكيات حسنة مثل تلك وغيرها. والشاهد هنا؛ أننا ومن كثرة ما نلمس من دلالات ومؤشرات واضحة على تفشي ظاهرة الكذب في مجتمعاتنا اليوم فإن تلك العبارة عنوان المقال أصبحت ضرورية لنا في كل لحظة فنستعملها في الصباح وفي المساء.

لا دلالة على فعل المعاصي في حديث والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص - إسلام ويب - مركز الفتوى

روى الشيخان وغيرهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام وفرائضه التي فرضها الله على الناس، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة المفروضة، فسأل الرجل: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تَطَّوع ، وأخبره عن الصوم والزكاة، وسأل الرجل: هل علي غيرها، والنبي يخبره عن الفرض، وأنه لا يجب عليه غيره إلا أن يريد أن يتطوع، ثم قال الرجل: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذهب الرجل: أفلح إن صدق. يدل هذا الحديث على أن العبد إذا أدى الفرائض ولم يزد عليها، وامتنع عن المحرمات، أنه ناجٍ يوم القيامة، وأنه يدخل الجنة. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ).

الدرر السنية

فبعض الساسة يتبعون أي وسيلة لتحقيق أغراضهم تحت شعار «السياسة فنّ الممكن» أو تطبيقا لمبدأ ميكيافيللي الشهير «الغاية تبرر الوسيلة» فجمعوا دهاءهم وسخروا عقولهم ومقدرات أوطانهم في محاولة لتحقيق أهدافهم بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن ففقد الناس الثقة بهم وقليلا ما أعاروهم الاهتمام وما عاد لخطاباتهم قيمة أو وزنا، ولذلك أصبحت نادرة يتندر بها المواطن العربي إن سمع سياسيا يقول الحقيقة أو جزءا منها فذلك سيكون بادرة خير ونورا في نهاية النفق المظلم. «والصدق منجاة والكذب مهواة» مثل ما يقال ووصل الأمر كما نعرف جميعا إلى درجة أن المؤسسات الجنائية الحكومية بدأت تستعين بأجهزة كشف الكذب أثناء التحقيق مع بعض المجرمين والمتهمين.. الدرر السنية. وحتى ذلك لم يكن ينجح في كل الأحوال لقدرة البعض البالغة في الكذب فتفوقوا على تلك الأجهزة المتطورة جدا. أفلح إن صدق، مقولة تنطبق على الأب في تربيته لأبنائه والراعي في تعامله مع أغنامه والسياسي مع شعبه والمدرس مع طلبته وحتى الطبيب مع مرضاه وخاصة بعد أن تحولت هذه المهنة الإنسانية العظيمة إلى التجارة والبحث عن المال والمنصب بعيدا عن آداب المهنة وأخلاقها. الصدق أيها السادة تاج يكلل الرؤوس ويزينها ونحن أحوج للصدق الآن أكثر مما مضى، وأولى الخطوات الصدق مع الله ومع أنفسنا ثم مع الناس وهذه الفضيلة يعرفها القاصي والداني ويدركها الصغير والكبير ولا تحتاج لمقال أو لموعظة من شخص مثلي أو من غيري أبدا.

رياض الجنة: “أفلح إن صدق” – مجلة الوعي

فيتبين بهذا، أنه ليس في الحديث ما يفيد من أن الرجل أفلح مهما فعل من الذنوب والمعاصي، وقد كان سادات الصحابة محافظين على تلك الفرائض، ومع ذلك فقد حذرهم الله تعالى من حبوط أعمالهم بالمعاصي، كمعصية رفع الصوت على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال عز وجل في سورة الحجرات: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ ٢ ﴾ [الحجرات:2]، وحتى المبشرون بالجنة كانوا يخافون على أنفسهم من الذنوب والمعاصي، ودخول النار.

ثمَّ ذكَرَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصِّيامَ، وأنَّه يَجِبُ عليه صِيامُ رمضانَ، والصِّيامُ هو: الإمساكُ بنيَّةِ التَّعبُّدِ عن الأكلِ والشُّربِ، وسائرِ المُفطِراتِ، وغِشيانِ النِّساءِ، مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشَّمسِ. فقال: هل علَيَّ غيرُه؟ قال: لا يَجِبُ عليك غيرُه، إلَّا أن تَتطوَّعَ، فتَصومَ أيَّامًا في غيرِ رَمضانَ؛ فإنَّه مُستحَبٌّ تُثابُ عليه. ثمَّ ذكَرَ له الزَّكاةَ، وهي عِبادةٌ ماليَّةٌ واجِبةٌ في كُلِّ مالٍ بلَغَ المِقدارَ والحدَّ الشَّرعيَّ، وحالَ عليه الحَوْلُ -وهو العامُ القمَريُّ «الهِجريُّ»- فيُخرَجُ منه رُبُعُ العُشرِ، وأيضًا يَدخُلُ فيها زَكاةُ الأنعامِ والماشيةِ، وزَكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ، وعُروضِ التِّجارةِ، وزَكاةُ الرِّكازِ، وهو الكَنزُ المدفونُ الَّذي يُستخرَجُ مِنَ الأرضِ، وقيل: المعادِنُ، بحَسَبِ أنْصابِها، ووَقتِ تَزكيتِها. وفي إيتاءِ الزَّكاةِ على وَجهِها لِمُستحِقِّيها زِيادةُ بَرَكةٍ في المالِ، وجَزيلُ الثَّوابِ في الآخرةِ، وللبُخلِ بها ومَنعِها مِن مُستحقِّيها عَواقبُ وخِيمةٌ في الدُّنيا والآخرةِ، بيَّنَتْها نُصوصٌ كثيرةٌ في القُرآنِ والسُّنةِ، وهي تُصرَفُ لِمُستحقِّيها المذكورينَ في قولِه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

وأما النوافل ، فقيل: يحتمل أن هذا كان قبل شرعها ، وقيل يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلي الظهر خمسا وهذا تأويل ضعيف. ويحتمل أنه أراد أنه لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض وهذا مفلح بلا شك وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج. والله أعلم. واعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج ، ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة ، وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ، ولم يذكر في بعضها الزكاة ، وذكر في بعضها صلة الرحم ، وفي بعضها أداء الخمس ، ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان ، فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصا وإثباتا وحذفا. وقد أجاب القاضي عياض وغيره - رحمهم الله - عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى وهذبه فقال: ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل هو من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط; فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات إن كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات أن ذلك ليس بالكل ، وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]