وقال قسطنطين بن عبد الله: حضرت مجلس هشام بن عمار فقال المستملي: من ذكرتَ؟ فقال: أخبرنا بعض مشايخنا، ثم نعس، ثم قال له: من ذكرت؟ فنعس، فقال المستملي: لا تنتفعوا به، فجمعوا له شيئا فأعطوه، فكان بعد ذلك يملي عليهم حتى يملوا. قال الذهبي: العجب من هذا الإمام مع جلالته!! كيف فعل هذا ولم يكن محتاجا وله اجتهاده؟! قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ، فدخلت عليه فقال: يا أبا علي، حدثني بحديث لِعَلِيِّ بن الجعد، فقلت: حدثنا ابن الجعد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية قال: علِّمْ مجانا كما عُلِّمتَ مجانا، فقال: تعرضتَ بي يا أبا علي!! فقلت: ما تعرضت؛ بل قصدتُك. وقال صالح: كنت شارطت هشاما أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة، فكنت آخذ الكاغَد الفِرعوني وأكتب مُقرمِطًا، فكان إذا جاء الليل أقرأ عليه إلى أن يصلي العَتَمَةَ، فإذا صلى العتمة يقعد وأقرأ عليه، فيقول: يا صالح، ليس هذه ورقة، هذه شُقة. قال أبو بكر المروذي: ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار، فقال: طياش خفيف. قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي: أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال: سألت الله تعالى سبع حوائج فقضى لي منها ستا، والواحدة ما أدري ما صنع فيها، سألـته أن يغفر لي ولأولادي، فما أدري، وسألته أن يرزقني الحج ففعل، وسألته أن يعمرني مائة سنة ففعل، ثم قال: وسألته أن يجعلني مصدقا على حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ففعل، وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ففعل، وسألته أن أخطب على منبر دمشق ففعل، وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالا ففعل.
فقيل له: كل شيء قد عرفناه، فألف دينار حلالا، من أين لك؟ فقال: وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا، يعني لما سكن دمشق، وبُني له القصر بداريا، قال: ونحن نلبس الأزر ولا نلبس السراويلات، فجلست فانكشف ذكري، فرآه الغلام فقال: استتر يا عم، قلت: رأيته؟ قال: نعم، قلت: أما إنه لا ترمَد عينُك أبدا إن شاء الله، قال: فلما دخل على المتوكل ضحك، فسأله، فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم، احملوا إليه ألف دينار، فحُملت إلى فأتتني من غير مسألة ولا استشراف نفس.