في نهاية المطاف.! ( إلى ربك يومئذٍ المساق). فتأمل حالك وتمثل نفسك؛ وقد رحلت عن الدنيا إلى ظلمة القبور وأهوالها؛ وبقيت رهيناً لعملك؛ فأي عملٍ يصاحبك في هذه الحفرة الضيقة؟ قال r: « إذا مات ابن آدم تبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله؛ فيرجع اثنان ويبقى واحد؛ يرجع أهله وماله؛ ويبقى عمله ». وقيل: إن ملك الموت دخل على داود ÷ فقال:من أنت؟. فقال: من لا يهابُ الملوك، ولا تمنع منه القصور؛ ولا يقبل الرُّشا. قال: إذن أنت ملك الموت؛ قال:نعم. كفى بالموت واعظاً. قال:أتيتني ولم أستعدَّ بعد؟. قال: يا داود أين فلان قريبك، أين فلان جارك؟قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرةٌ لتستعد؟. ومر رجل بغلام فقال: يا غلام أين العمران؟. قال: اصعد الرابية تشرف عليهم؛ فصعد فأشرف على مقبرة، فقال:إن الغلام جاهل أو حكيم، فرجع فقال:سألتك عن العمران فدللتني على مقبرة. فقال الغلام:لأني رأيت أهل الدنيا ينتقلون إليها ولا يرجعون. ومرّ عليٌّ t بالقبور؛ فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة؛ والمحال المقفرة؛ أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع؛ وإن شاء الله بكم عما قليل لاحقون؛ يا أهل القبور: أما الأموال فقد قُسِمت؛ وأما الديار فقد سُكِنت؛ وأما الأزواج فقد نُكِحت؛ هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟.
فبعد الموت جنة فيها من النعيم الدائم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أو نار أبدية حامية لا يطاق عذابها، ولا يستساغ طعامها، ولا يحتمل شرابها، يقول تعالى: ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ الشورى: 7. إن الموت يأتي بغتة وعلى حين غفلة من غير إنذار سابق، ومن غير طرق باب أو استئذان، يأتي في أي مكان وفي أي زمان، وعلى أية هيئة وحالة، لا تقف أمامه بروج ولا جنود، ولا تمنعه حصون ولا سدود، يقول تعالى: ﴿ اَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ النساء: 78. ومن هنا فعلى المرء أن يظل دائماً متيقظاً مستعداً للانتقال من عالم الفناء إلى عالم البقاء، ومن حياة العمل إلى حياة الجزاء. الموت ليس بالأمر السهل، ولا بالشيء الهين. كفى بالموت واعظا يا عمر. الموت له سكرات و كربات وغمرات ونزعات، يقول الله تعالى: ﴿ وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَ ا لِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ ق: 19. تخيل يا عبد الله ساعة الاحتضار والسكرات، تخيل ساعة الانتقال من القصور إلى القبور، تصور لحظة مفارقة الآباء والأمهات والأبناء والإخوان، تصور يوم أن تمدد الرجلان، وتعصب العينان، وتدرج في الأكفان، تخيل نفسك وأنت على هذه الحالة وقد التف حولك الأهل والإخوان ينتحبون على فراقك، ويذرفون الدمع عليك وهم لا حول لهم ولا قوة، يقول الله تعالى: ﴿ فَلَوْلآَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ♦ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ♦ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ ♦ فَلَوْلآَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ♦ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ الواقعة: 83-87.
حفظكم الله وأحسن خواتيمكم ورزقكم قوة الإيمان. رحم الله متاكم وموتى المسلمين. وصل اللهم على نبينا محمد ومن والاهم.