آخر تفسير سورة الهمزة [ ص: 602]
وقوله: ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ قال جماعة المفسرين: مطبقة [[قال بذلك ابن عباس، وقتادة، والضحاك بمعناه، وأبو هريرة، وعكرمة، وسعيد ابن جبير، ومجاهد، ومحمد ابن كعب، وعطية العوفي، والحسن، والسدي. انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 375، و"جامع البيان" 3/ 207، و"النكت والعيون" 6/ 280، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 550، و"الدر المنثور" 8/ 526 وبه قال الطبري في "جامع البيان" 30/ 207، و"بحر العلوم" 3/ 481، و"الكشف والبيان" 13/ 99 أ. وانظر: "معالم التنزيل" 4/ 491، و"المحرر الوجيز" 5/ 486، و"الكشاف " 4/ 214، و"الجامع لأحكام القرآن" 20/ 82، و"لباب التأويل" 4/ 381. ]]. وقال الفراء [["معاني القرآن" 3/ 266، قال: والموصدة تهمز ولا تهمز، وهي المطبقة. ]]، وأبو عبيدة [["مجاز القرآن" 2/ 299، قال: مطبقة، أصدتُ وأوصدت، وهو أطبقت. ]]، والمبرد [["التفسير الكبير" 31/ 188. ]]، (والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 330، واللفظ له. والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. ]]) [[ساقط من: (أ). ]] يقال: أَصَدْتُ البَابَ وأوْصَدْتُهُ إذا أغلقته، وأطبقته، (فمن قرأ: ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ بالهمز [[في (أ): (فالهمز). ]] [[قرأ بذلك: أبوعمرو، وحمزة، وحفص بن عاصم، ويعقوب، وخلف. وقرأ الباقون: مُوْصَدَة بغير همز.
قال أبو منصور: هما لغتان: أوْصَدْتُ البابَ، وَآصَدْتُه، إذا أطْبَقته والحظيرة يقال لها: الوَصيَدة والأصيدَة. * * *
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال: ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله: ( إنها عليهم مؤصدة) قال: مطبقة. حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا وكيع ، عن مضرس بن عبد الله ، قال: سمعت الضحاك ( إنها عليهم مؤصدة) قال: مطبقة. حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( إنها عليهم مؤصدة) قال: عليهم مغلقة. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( إنها عليهم مؤصدة) أي: مطبقة. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البلد - الآية 20. [ ص: 600] حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( إنها عليهم مؤصدة) قال: مطبقة ، والعرب تقول: أوصد الباب: أغلق. وقوله: ( في عمد ممددة) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: ( في عمد) بفتح العين والميم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: " في عمد " بضم العين والميم. والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، ولغتان صحيحتان. والعرب تجمع العمود: عمدا وعمدا ، بضم الحرفين وفتحهما ، وكذلك تفعل في جمع إهاب ، تجمعه: أهبا ، بضم الألف والهاء ، وأهبا بفتحهما ، وكذلك القضم ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
التفسير الجزء اسم السوره هذه السورة مكية في بعض الروايات، ومكية مدنية في بعض الروايات (الثلاث الآيات الأولى مكية والباقيات مدنية) وهذه الأخيرة هي الأرجح. وإن كانت السورة كلها وحدة متماسكة، ذات اتجاه واحد، لتقرير حقيقة كلية من حقائق هذه العقيدة، مما يكاد يميل بنا إلى اعتبارها مدنية كلها، إذ إن الموضوع الذي تعالجه هو من موضوعات القرآن المدني وهو في جملته يمت إلى النفاق والرياء مما لم يكن معروفاً في الجماعة المسلمة في مكة. ولكن قبول الروايات القائلة بأنها مكية مدنية لا يمتنع لاحتمال تنزيل الآيات الأربع الأخيرة في المدينة وإلحاقها بالآيات الثلاث الأولى لمناسبة التشابه والاتصال في الموضوع.. وحسبنا هذا لنخلص إلى موضوع السورة وإلى الحقيقة الكبيرة التي تعالجها.. إن هذه السورة الصغيرة ذات الآيات السبع القصيرة تعالج حقيقة ضخمة تكاد تبدل المفهوم السائد للإيمان والكفر تبديلاً كاملاً. فوق ما تطلع به على النفس من حقيقة باهرة لطبيعة هذه العقيدة، وللخير الهائل العظيم المكنون فيها لهذه البشرية، وللرحمة السابغة التي أرادها الله للبشر وهو يبعث إليهم بهذه الرسالة الأخيرة.. إن هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس؛ ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرده، مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى.