مرحباً بالضيف
﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ قال الله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 94، 95]. أولًا: سبب نزولها: قال ابن كثير: "قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين - كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير - خمسة نفر، كانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم، من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي: الأسود بن المطلب أبو زمعة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه؛ لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه به، فقال: اللهم، أعم بصره، وأثكله ولده. ومن بني زهرة: الأسود بن عبديغوث بن وهب بن عبدمناف بن زهرة، ومن بني مخزوم: الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد، ومن خزاعة: الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبدعمرو بن ملكان، فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل الله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 94 - 96].
وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء: أن جبريل أتى رسول الله ﷺ وهو يطوف بالبيت، فقام وقام رسول الله ﷺ إلى جنبه، فمر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي، ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه فمات منه حَبَناً، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرحٍ بأسفل كعب رجله، وكان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجر إزاره، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له. الحَبَن انتفاخ البطن، فمات منه حَبَناً. تفسير: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين). يريش نبلاً له: يعني يلصق فيه الريش، والسهم يوضع فيه الريش من أجل أن ينطلق بطريقة لا ميل فيها. فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتقض به فقتله، ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف، فربض على شِبْرِقة فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحاً فقتله. فانتقض: يعني جراحه انتقضت، أي تجددت بعدما برئت. فامتخض بالضاد، فامتخض قيحاً، يعني تحرك القيح في رأسه وانتشر فمات. وقوله: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع الله معبوداً آخر.
ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، وكان أصابه قبل ذلك بسنين ، وهو يجر سبله ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء ، فانتقض به فقتله. ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله ، فمرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شبرقة فدخلت [ ص: 58] في أخمص رجله شوكة فقتلته. فاصدع بما تور کیش. ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه فامتخط قيحا فقتله. وقد ذكر في سبب موتهم اختلاف قريب من هذا. وقيل: إنهم المراد بقوله - تعالى -: فخر عليهم السقف من فوقهم شبه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم; على ما يأتي.
[٩] [١٠] دلالة الأنفس تعدّ دلالة الأنفس طريقة من طرق التعرِّف على الله -عزَّ وجلَّ- والتي تتمثّل في إمعان نظر الإنسان في ربّه، ومعرفة العجاب في خلقه، والتي لا يُمكن أن يكون هذا الخلق ناشئًا عن صدفةٍ؛ بل لا بدَّ أن يكون وراء هذا الخلق ربًّا حكيمًا قادرًا، وقد جاءت هذه الدلالة في قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ). [١١] [١٢] دلالة الآفاق تتمثّل هذه الدلالة في نظرِ المسلمِ في آفاق هذا الكونِ، والتمعّن في طريقةِ خلقه، والعجائب الموجودةِ فيه، فمن تأمّل في ذلك كلِّه، علمَ وتيقنَّ أنَّ هذا النّظام الكامل التامّ الذي لا ينقصه شيء لا بدَّ أن يكون له خالقًا، وقد جاءت هذه الدلالة في قول الله -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). [١٣] [١٤] علاقة توحيد الربوبية بتوحيد الألوهية إنَّ توحيد الربوبيّةِ يعدُّ جزءً من التوحيدِ، وهو نوعٌ من أنواعه، فمن أقرَّ بربوبيّة الله -عزَّ وجلَّ- وأنَّه هو خالقُ هذا الكونِ والمتصرّف به وحده دون الإقرار باستحاق الله للعبادة -توحيد الألوهية-؛ لا يُمكن أن يُقالَ عنه موحدًا، ودليل ذلك أنَّ مشركي قريشٍ كانوا يقرُّون بتوحيد الربوبيّةِ مع ذلك فإنَّه لم يُحكم عليهم بالإيمان.
ذات صلة تعريف التوحيد وأقسامه ما هي أقسام التوحيد توحيد الألوهية يعرَّف توحيد الألوهيةِ على أنَّه صرف العبادةِ لله -عزَّ وجلَّ- وحده من غير شريك، ويدلُّ على هذا النوعِ من التوحيد قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، [١] [٢] وفيما يأتي ذكر بعض الأمثلة على توحيد الألوهية: [٣] إفراد الله -عزَّ وجلَّ- بعبادة السجودِ، وعدم السجود لغيره. إفراد الله -عزَّ وجلَّ- بالاستعانة، وعدم الاستعانة والاستغاثة بغيره. من امثلة توحيد الربوبية. إفراد الله -عزَّ وجلَّ- بعبادة الدعاء، وعدم صرف الدعاء لغيره. إفراد الله -عزَّ وجلَّ- بعبادة الصيام، وعدم إشراكه في العبادة.