سبب نزول قوله تعالى: { إن الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم} قال المؤلف رحمه الله تعالى: أسباب نزول الآية السادسة والسابعة: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة:6]، وأخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنهما نزلتا في يهود المدينة. هذه الآية أيها الإخوان! ظاهرها أن الكافر لا يؤمن، سواء حصل الإنذار أو لم يحصل، وسواء تليت عليه الآيات أو لم تتلَ، لكن كما قال أهل التفسير: هي من العام المخصوص، أي: قوله: { الَّذِينَ كَفَرُوا}، عموم أريد به أناس مخصوصون من الكفار. فقول ابن عباس: (نزلنا في يهود المدينة) وذلك لأن عندهم من الأدلة والبراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما ليس عند غيرهم من الكفار، لكن كفروا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. 13 -3 6, 273
آ. (6) قوله تعالى: إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم: الآية، "إن" حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر خلافا للكوفيين بأن رفعه بما كان قبل دخولها، وتخفف فتعمل وتهمل، ويجوز فيها أن تباشر الأفعال، لكن النواسخ غالبا، وتختص بدخول لام الابتداء في خبرها أو معموله المقدم أو اسمها المؤخر، ولا يتقدم خبرها إلا ظرفا أو مجرورا، وتختص - أيضا - بالعطف على محل اسمها، ولها ولأخواتها أحكام كثيرة لا يليق ذكرها بهذا الكتاب. و الذين كفروا اسمها، و"كفروا" صلة وعائد و"لا يؤمنون" خبرها، وما بينهما اعتراض، و"سواء" مبتدأ، و"أأنذرتهم" وما بعده في قوة التأويل بمفرد هو الخبر، والتقدير: سواء عليهم الإنذار وعدمه، ولم يحتج هنا إلى رابط؛ لأن الجملة نفس المبتدأ. ويجوز أن يكون "سواء" خبرا مقدما، و"أنذرتهم" بالتأويل المذكور مبتدأ مؤخر تقديره: الإنذار وعدمه سواء. وهذه الجملة يجوز فيها أن تكون معترضة بين اسم (إن) وخبرها وهو "لا يؤمنون" كما تقدم، ويجوز أن تكون هي نفسها خبرا لـ(إن) ، وجملة "لا يؤمنون" في محل نصب على الحال أو مستأنفة، أو تكون دعاء عليهم بعدم الإيمان وهو بعيد، أو تكون خبرا بعد خبر على رأي من يجوز ذلك، ويجوز أن يكون "سواء" وحده خبر إن، و"أأنذرتهم" وما بعده بالتأويل المذكور في محل رفع بأنه فاعل له، والتقدير: استوى عندهم الإنذار وعدمه، و"لا يؤمنون" على ما تقدم من الأوجه، أعنى الحال والاستئناف والدعاء والخبرية.
ويجوز أن يكون سَوَاءٌ خبرَ إنَّ، وما بعده مرفوع بفِعله وسدَّت هذه الجملةُ مسدَّ الخبر، والتقدير: يَستوي عندهم الإنذارُ وتركُه. ويجوز أن يكون خبرُ إنَّ قولَه: لَا يُؤْمِنُونَ ، وما بينهما اعتراض. وقيل غير ذلك [167] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/76)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/21)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (1/105).. المعنى الإجمالي: يُخبِر الله عزَّ وجلَّ عن الكافرين، بأنَّ الإنذار وعدمَه عندهم سِيَّانِ، فهم سواء أُنذروا أم لم يُنذَروا، لا يُصدِّقون بما جاءهم به محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ من الحق؛ وذلك أنه قد طبَع الله على قلوبهم وسمعِهم؛ فلا ينفعهم الهُدى، وجعَل على أبصارهم غطاءً، فلا يُبصرون ما يَهديهم، وجزاء هؤلاء الكافرين عذابُ النار. تفسير الآيات: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(6). أي: إنَّ هؤلاء الذين كفروا، يتساوى في حقِّهم كِلا الأمرين، الإنذارُ وعدمه، فهم في كِلا الحالين لا يؤمنون بما جِئتَهم به- يا أيُّها الرسولُ- من الحقِّ [168] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/262-264)، ((تفسير ابن كثير)) (1/173)، ((تفسير السعدي)) (ص: 41، 42).