من هو الشاهد الذي شهد ليوسف عليه السلام
لقد رأت امرأة العزيز أنها انتصرت على نساء طبقاتها، وأنهنّ لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول، فقالت قولةً المرأة المنتصرة التي لا تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها والتي تفتخر عليهنّ بأن هذا متناول يدها، وإن كان قد استعصم في المرة الأولى، فهي ستحاول المرة تلو الأخرى؛ لأجل أن يلين. لقد اندفعن جميع النسوة بمراودة يوسف عن نفسه، فكلّ واحدةٍ كان تريدهُ لنفسها، فإن هذه الأفعال كلها كانت تدل على أمران: الأول: وهو حينما قال يوسف عليه السلام، قال تعالى: " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ " فلم يقل ما تدعوني إليه. أما الأمر الثاني: وهو سؤال الملك لهم فيما بعد، وهو قوله تعالى: " قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ "يوسف:51. من هو الشاهد في قصة يوسف - إدراك. إنّ أمام هذه الدعوات فقد استنجد يوسف بربه بالقول والحركات والسكنات من أجل أن يصرف عنه محاولاتهنّ لإيقاعه في حبائل الحرام والمعصية؛ وذلك خيفة أن يضعف في لحظةٍ أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاهُ على نفسه. فقد دعى يوسف عليه السلام بدعاء الإنسان العارف ببشريته الذي لا يغتر بعصمتهِ فيُريدُ مزيداً من عناية الله وحياطتهِ، ويُعاونه على ما يعترضهُ من فتنةِ كيد وإغراء، فنادى ربه قائلاً: " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ " واستجاب له الله وصرفَ عنه كيد النسوة.
فلا نعلم إن كان الشاهدُ مرافقاً للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه كما بينت بعض الروايات بأن هذا الشاهد هو رجلٌ كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفلٌ رضيع كما أنه جائز، فهذا لا يُغير من الأمرِ شيئاً، إن ما يذكرهُ القرآن الكريم أن الشاهد أمرهم بالنضر للقميص، فإن كان قميصهُ ممزقاً من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يُلريد الاعتداء عليها، ففي تلك الحالة تكون هي الصادقة وهو الكاذب، وإن كان قميصهُ ممزعٌ من الخلف فهو إذن من أثر تملصهِ ومنها وتعقبها هيَ له حتى الباب فهنا يكون هو من الصادقين وهي من الكاذبين. فقال تعالى: " فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم ٌ" يوسف:28.
فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على نفي الغربة عن مجرد ناسٍ متمسكين بأحكام الشرع في زمن الفساد إلا أن يكونوا عاملين على إصلاح ما أفسد الناس من الأفكار والأحكام الشرعية. والمعلوم بداهة أن شخصاً أو بضعة أشخاص متناثرين هنا وهناك لا يقدرون على إصلاح ما فسد في المجتمع إلا أن يكونوا طائفة أي حزباً يتولى هذه المهمة الصعبة، فلكي ينطبق على المسلم ما جاء في هذه الأحاديث الأربعة يجب أن يكون ضمن طائفة أو حزب يعمل على إصلاح فساد الأفكار والأحكام في المجتمع، وبدون الطائفة أو الحزب فإنه لا يستطيع فعل ذلك قطعاً، فوجب صرف الثناء الوارد في هذه الأحاديث إلى كل مسلم ينتمي إلى الطائفة أو الحزب الذي يتولى مهمة إصلاح الفساد في المجتمع. وحيث إن الأحاديث قد نوهت بالطائفة أو العصابة الظاهرة على الدين القائمة على أمر الله، وأنها ستقيم دولة تقاتل الكفار، فإن وصف الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنة محمد صلى الله عليه وسلم – والسنة هنا تعني الشريعة، أي الدين – ينبغي أن يصرف إلى أعضاء هذه الطائفة أو الحزب، الذي واقِعُ أعضائه أنهم فعلاً غرباء في المجتمع المعاصر، وعلى ذلك فإن الغرباء الذين لهم طوبى هم أعضاء الطائفة أو الحزب الذي نوهنا به، والذي جاء ذكره في العديد من الأحاديث.
فهذه الزيادة رواها الإمام أحمد في المسند(21286) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)، وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة(11/698) ترقيم الشاملة. وعلى فرض صحة هذه الرواية فالمراد بذلك: أنها تكون بالشام في بعض الأزمنة ، كما سيكون ذلك في آخر الزمان. ما مواصفات الطائفة الظاهرة؟ وما عملها؟ – مجلة الوعي. قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "والْمُرَاد بِاَلَّذِينَ يَكُونُونَ بِبَيْتِ الْمَقْدِس: الَّذِينَ يَحْصُرهُمْ الدَّجَّال إِذَا خَرَجَ ، فَيَنْزِل عِيسَى إِلَيْهِمْ فَيَقْتُل الدَّجَّال" انتهى من "فتح الباري". وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: وقد اختلف في مكانها [يعني: الطائفة المنصورة]: فقال ابن بطال: إنها تكون في بيت المقدس، كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (قيل: يا رسول الله!
- لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي قائمةً بأمرِ اللهِ ، لا يَضُرُّهم مَن خذلهم ، ولا مَن خالفهم ، حتى يأتىَ أمرُ اللهِ ، وهم ظاهِرُونَ على الناسِ الراوي: معاوية بن أبي سفيان | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم: 7290 | خلاصة حكم المحدث: صحيح لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ كَذلكَ. وَليسَ في حَديثِ قُتَيْبَةَ: وهُمْ كَذلكَ.
سادسًا: قوله: (ولا من خالفهم) من الأعداء المناوئين والخصوم الكائدين.. فلا يصل الكائد إلى مراده.. يقين لا ريب فيه؛ فعمل المفسدين لا يصلحه الله.. والمكر السيء لا يحيق إلا بأهله. سابعًا: قوله: (حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).. فلا يزال في الأمة طائفة ترفع راية الشريعة إلى يوم القيامة.. وإنما الشرف كل الشرف في الانتساب إلى تلك الطائفة.. والخوف كل الخوف من الطرد من تلك الطائفة، والحرمان من النجاة.. ولا نجاة إلا بشرع الله. ثامنًا: لا قيام لشرع الله في أرض الله إلا بأمة وطائفة، قليلة في الأمة لكنها ظاهرة بعلمها وعملها وجهادها.. فشرع الله لابد له من رجال تحمله، ورموز ترفع رايته، وأنصار يلتفون حوله، ونضال أمام أعداءه، وصبر حتى يأتي أمر الله. وأخيرًا.
وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقا ووجها فذاك أبونا إبراهيم ، كلنا نؤمه ونقتدي به. وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها فهي الساعة ، علينا تقوم ، لا نبي بعدي ، ولا أمة بعد أمتي ". قال: فما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل ، فيحدثه بها متبرعا.
على أن ابن حجر يقول: المراد بالذين يكونون ببيت المقدس: الذين يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل الدجال، ويظهر الدين في زمن عيسى، ثم بعد موت عيسى تهب الريح المذكورة، فهذا هو المعتمد في الجمع، والعلم عن الله تعالى ( فتح الباري).