ـ فما زالت طعمتي بعد: فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت طعمتي بعد) رواه البخاري. قال ابن حجر: "أي لزمت ذلك وصار عادة لي.. وفيه منقبة ل عمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر، ومواظبته على مقتضاه". صور عن الرسول الاعظم. ـ لا أَضرِب مملوكاً بعده أبدا: عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: (كنتُ أَضرِب غلامًا لي بالسوط، فسمعتُ صوتًا مِن خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت مِن الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود ، اعلم أبا مسعود ، قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قال: فقلت: لا أَضرِب مملوكًا بعده أبدا) رواه مسلم. أي: بعد هذا القول الذي سمعه وذلك امتثالا وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس رضي الله عنه، قال: "بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه، وقد جعل طعامًا، قال: فأقبلتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس، فنظر إليَّ، فاستحييتُ فقلتُ: أجِبْ أبا طلحة"؛ [أخرجه مسلم]. وحياء الإنسان من الآخرين يدل على توقيره واحترامه لهم، ومكانتهم عنده. ما هي بعض صور التعاون في حياة الرسول؟ - موضوع سؤال وجواب. الحياء من فعل ما يخرم المروءة: عن عبدالله بن مُغَفَّل رضي الله عنه قال: "كُنَّا مُحاصرين قصر خيبر، فرمى إنسان بجراب فيه شحم، فَنَزَوْتُ لآخُذُه، فالتفتُّ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحييتُ منه"؛ [متفق عليه]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي قوله: "فاستحييت منه" إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معاناة التنزُّه عن خوارم المروءة. الحياء من ذكر ما يُستحيَا منه عرفًا: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنتُ رجلًا مذَّاءً، فاستحييتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرتُ المقداد بن الأسود أن يسأله، فقال: ((فيه الوضوء))، وفي رواية: "كنت رجلًا مذَّاءً، فأمرت رجلًا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته"؛ [متفق عليه]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يُستحيا منه عُرْفًا، وترك ذكر ما يتعلَّق بجِماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمن أسماء الله الحسنى "الحييُّ"؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حييٌّ يستحيي من عبده إذا مدَّ يديه إليه أن يردَّهما صفْرًا))؛ [أخرجه أبو داود والترمذي]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله عز وجل حييٌّ ستِّير، يُحِبُّ الحياءَ والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر))؛ [أخرجه أبو داود والنسائي]. فالحياء صفة لله عز وجل، على ما يليق بجلاله وكماله، ليس كحياء المخلوقين، وقد جاءت النصوص بالحث على الحياء والترغيب فيه، وأن الله جل جلاله يحبُّه، وأنه خيرٌ كلُّه، وأنه من شُعَب الإيمان. صور عن الرسول النبي. وهو خُلُق تقرُّهُ الفِطَر المستقيمة، وتدعو إليه العقول السليمة؛ لأنه يبعث على ترك الأمور القبيحة، والتحلِّي بالصفات الجميلة. قال الحسن رحمه الله: "أربع من كُنَّ فيه كان كاملًا، ومن تعلَّق بواحدة منهنَّ كان من صالحي قومه: دين يرشده، وعقل يُسدِّده، وحَسَب يصونه، وحياء يقُوده". قال الأصمعي رحمه الله: "سمعتُ أعرابيًّا يقول: من كساه الحياء ثوبه لم يرَ الناس عيبه". وقد اتَّصف بهذا الخُلُق صفوة الخلق والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فنبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرِها، ونبيُّ الله موسى عليه السلام كان حييًّا ستِّيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياء منه؛ [متفق عليه].
تعاون النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عند وصوله للمدينة مع المهاجرين والأنصار قام المهاجرون والأنصار ببناء المسجد بمساعدة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وكذلك حرص رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على ترسيخ التعاون من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. وحثّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على التعاون في كثيرٍ من أحاديثه، وبيّن العديد من صوره، منها ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إنّه قال: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ).