" نهاية الحسين بن منصور الحلاج " قال ابن كثير: وفي سنة 309هـ كان مقتل الحسين بن منصور الحلاج، ولنذكر شيئا من ترجمته وسيرته، وكيفية قتله على وجه الإيجاز وبيان المقصود بطريق الإنصاف والعدل، من غير تحمل ولا هوى ولا جور.
لم يتّخذ الحلاّج التقيّة منهجًا له في حياته الروحيّة والسياسيّة، بل تكلّم بكلّ جرأة، وعانى ما لم يعانه أحد من المتصوفة، فاتّهم واضطهد وسُجن، وعُرض مصلوبًا مرّة أولى لمدّة ثلاثة أيّام، ثمّ بقي ثماني سنوات محبوسًا في بغداد، يقودوه من سجن إلى آخر، إلى أن انتهت حياته في 26 آذار العام 922، بعد أن تمّ جلده، وقُطّعت أعضاؤه، ثمّ صُلب وقُطع رأسه وحُرق جسمه كلّه. لم يهب الحلاّج الموت، وظلّ متماسكًا وقويًا، وبدا كأنّه ينتظره، لا حبًّا بالموت، وإنّما ترسيخًا لدعوته الصوفيّة، ومبدئه القائم على التضحية والمحبّة 3. إنّ أساس المحبّة عند الحلاّج هو التضحية، لذلك وجب على الذي يحبّ الآخر أن يضحي من أجله. وكان قد «تنبأ» بموته صلبًا لَمّا قال: «وإن قُتلتُ أو صُلبتُ أو قُطّعت يداي ورجلاي ما رجعتُ عن دعواي» 4. لم يأت الحلاّج ليدين، إنّما ليقدّم نفسه ضحيّة عن الآخرين ومن أجل خلاصهم، كما قال: «تُهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي» 5. من هو الحلاج - الإسلام سؤال وجواب. فعلى الصليب أهدى الحلاّج «مهجته ودمه»، وعلى الصليب أيضًا طلب المغفرة لقاتليه، لمّا قال: «قد اجتمعوا لقتلي تعصّبًا لدينك، وتقرّبًا إليك، فاغفر لهم، فإنّك لو كشفتَ لهم ما كشفتَ لي لَما فعلوا ما فعلوا» 6.