موقع شاهد فور

كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين

June 28, 2024

كان من رحمة الله تعالى بعباده فيما فرضه عليهم من أحكام، وأنزله من تشريعات؛ أن جعل فرضه منجَّمًا، أي فرضه عليهم على مراحل، وذلك حتى لا تثقل الفرائض على النفوس فتنفر، قالت عائشة في ذلك: "إنما نزل أول ما نزل منه -أي القرآن- سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام؛ نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدًا" رواه البخاري. وكان من الفرائض التي فرضها الله تعالى على هذه الأمة، وتجلت في فرضيتها رحمته تعالى بعباده، وسنته في التدرج في فرض الأحكام والآداب: فريضة الصيام، فالله تعالى قد كتب الصيام على هذه الأمة كما كتبه على الأمم قبلها، ولكن حكم تلك الفريضة لم ينزل جملة واحدة، وإنما نزل على ثلاث مراحل، شأن بعض الأحكام التي لم ينزل حكمها دفعة واحدة؛ وذلك لأن الصيام شاق على النفوس ثقيل، ويصعب على النفوس التي لم تعتد عليه تقبل أحكامه من أول مرة؛ فاقتضت حكمة الله تعالى أن يفرض الصيام على الناس بالتدريج لتعتاد النفوس عليه وتألفه.

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون

الثانية: أن الصيام كتب على الذين من قبلنا من الأمم السابقة. الثالثة: أن من أسرار الصيام وآثاره: التربية على التقوى، فإن الله عز وجل لم يشرع العبادة لنتعذب بها، أو يصيبنا منها الحرج والمشقة بالامتناع عما نشتهي، ولكن لحكمة التربية على مراقبة الله عز وجل في السر والعلن والصبر على ذلك، وأن نترك الشيء لأجله سبحانه، حتى لو كان محبوباً مشتهى في النفوس.

يايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام

والغرض الثاني: أن في التشبيه بالسابقين تهوينًا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب. والغرض الثالث: إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة؛ حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض، بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة [8]. فالصيام عبادة قديمة فرضها الله سبحانه على هذه الأمة، كما فرضه على الأمم السابقة، أخبرنا الله بهذا لتُشحذ الهمم، وتنشط للعبادة؛ لتنال الغاية العظمى من الصيام؛ وهي تقوى الله جل جلاله. [1] تفسير الطبري (3/ 153-154). [2] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة السعدي (ص:86). كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ. [3] زهرة التفاسير، لأبي زهرة (1/ 550). [4] انظر: تفسير الطبري (3/ 153-155)، وتفسير ابن كثير (1/ 497)، وتفسير القرطبي (2/ 275)، واللباب في علوم الكتاب (3/ 254-256)، والنكت والعيون، للماوردي (1/ 236). [5] تفسير الطبري (3/ 153-154). [6] أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، برقم (1096). [7] النكت والعيون، للماوردي (1/ 236). [8] انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (2/ 156-157)، بتصرف.

عن اسلام. ويب

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]