موقع شاهد فور

فاستقم كما أمرت

June 27, 2024

ومن هنا نفهم أنَّ الإسلام عقيدة وسلوك، إن صحت العقيدة صح السلوك، وإنْ فسدت العقيدة فسد السلوك، وإن اختلت العقيدة اختل السلوك، فأي عقيدة مغلوطة يعتقدها المرء فلابد من أن تُظهِر على سلوكه انحرافًا.

  1. فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا
  2. فاستقم كما امرت ولا تتبع

فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا

كيف تذوق طعم الإيمان؟ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا " [2]. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة هود - الآية 112. قالَ صَاحِبُ التَّحْرِير: مَعْنَى رَضِيتُ بِالشَّيْءِ قَنَعْتُ بِهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ، وَلَمْ أَطْلُبْ مَعَهُ غَيْرَهُ. فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَسْعَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَسْلُكْ إِلَّا مَا يُوَافِقُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَقَدْ خَلَصَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ إِلَى قَلْبِهِ، وَذَاقَ طَعْمَهُ. فإذا ذاق الإنسانُ حلاوة الإيمان، وتمكنت جذوره في قلبه؛ استطاع أن يثبت على الحق، ويواصل المسير، حتى يلقى ربّه وهو راض عنه، ثم إنَّ ذلك الإيمان يثمر له العمل الصالح، فلا إيمان بلا عمل، كما أنه لا ثمرة بلا شجر، ولهذا جاء في الحديث: " ثُمَّ اسْتَقِمْ "؛ فرتّب الاستقامة على الإيمان، ولذا كانت الاستقامة ثمرة ضرورية للإيمان الصادق.

فاستقم كما امرت ولا تتبع

أما استقامة القلب فتكون بعمارته بالإيمان بالله، والخوف منه، ورجائه تبارك وتعالى، وحسن التوكل عليه والثقة به، ومحبته جل وعلا، ومحبة ما يحبه من الأعمال والأقوال، والعناية بإصلاح القلب تزكية ونقاء وصلاحا، وإذا استقام القلب على هذه الحال تبعته الجوارح كلها في الاستقامة، كما قال عليه الصلاة والسلام: " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب " [9]. ولذا فقد وجب على كل مسلم أن يُعنى بقلبه إصلاحًا له، وتنقية له، واجتهادًا في تزكيته وتطهيره، قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10]. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشورى - الآية 15. الأمر الثاني: استقامة اللسان، وذلك بصيانته وحفظه عن كل أمر يسخط الله، وشغله بكل نافع مفيد، وبكل قول سديد، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70]. وإذا استقام اللسان تبعته الجوارح لأنها فرع عنه ونتيجة من نتائجه، ولهذا صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا " [10].

هذا، وإن التشديد على النفس ضرب من ضروب الغلو، بينت السنة أن عاقبة صاحبه إلى الانقطاع، وأنه ما مِن مُشَادٍّ لهذا الدين إلا ويغلب وينقطع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة "، وزاد في رواية: " والقصدَ القصدَ تبلغوا! " أخرجه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، ويترك الرفق، إلا عجز وانقطع فيغلب... والتسديد: العمل بالسداد، وهو القصد والتوسط في العبادة، فلا يقصر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه. إن الاستقامة على شرع الله نعمة كبرى، وهبة عظمى.. فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ-آيات قرآنية. وإن الله تعالى قد أخبر أنه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، وأنه ما جعل علينا في الدين من حرج، فمتى ما كان الدين عنتاً ومشقة وخوفاً وإرهاباً وتطرفاً وقتلاً وتهوراً، فإن ذلك دليل على الخروج عن الاستقامة إلى الشطط والإفراط والغلو الذي مصير أربابه إلى الهلاك والخسران في الدنيا والآخرة. وإنني أدعوكم إلى تأمل هذه الآيات البديعة التي تبهج النفس، وتسعد القلب، وترسم الروعة والجمال والجلال، إذْ تتحدث عن الاستقامة وتربطها بالخلق الحسن، والأدب الجم، والعمل الصالح.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]