نهاية الأسبوع الماضي، ووسط زحمة العمل، شاهدت مناظرة رئاسة حكومة كندا، بشغفٍ كبير مع نوعٍ من الحسرة الدَّاخلية وحسدٍ خفيّ.. إنَّه "العادي" و"المتوقع"، في بلد شرب مواطنوه من كأس الديموقراطية حتّى الثَّمالة، وصاروا جهابذة في اختيار ومحاسبة حكامهم.. وأما "غير العادي"، فهو أنني شاهدت في الأسبوع نفسه مناظرة الرئاسة التونسية.. مناظرة بين مرشحين رئاسيين في العالم العربي…تخيَّلوا!!!! لم استحضر وأنا أشاهدها إلا صورة الحاج أحمد الحفناوي صاحب العبارة الشهيرة التي ارتبطت بثورة الياسمين: "هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية".. أينك الآن لتسجل في مرمى الذاكرة عبارة جديدة في قوة هرمنا؟ تقولها وأنت تمرر كفَّك على بقايا شعرك الذي غزاه الشيب، وهو يعايش مُكرها فترة حكم بن علي.. التي أتعبت أيامه حد الهرم! اييييه يا حاج أحمد….. مات بن علي… وعاشت تونس… وفاز… قيس سعيد! طائر من داخل السرب، يغرد بمبادئ وثوابت كل شعوب المنطقة.. هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية!. فاز من أعلنها صريحة في زمن الانبطاح: "من يتعامل مع كيانٍ شرَّدَ شعبا كاملا لمدة أكثر من قرن، خائن ويجب أن يُحاكم بتهمة الخيانة العظمى.. الوضع الطبيعي أننا في حالة حرب مع كيانٍ محتل، غاصب، ولا يمكن أن نتعامل مع عدو…".
هذه السطور السابقة ليست لإعفاء النهضة من أخطائها السياسية وهي كثيرة، ولا هي لتقديم مبررات لتراجعها الشعبي؛ فتلك مسائل اعتيادية مقبولة داخل سياج "الممارسة الديمقراطية الحقيقية"، وليست بالمناسبة مزعجة للمتعاطفين مع النهضة، فالأخطاء السياسية تجلدها الصناديق بقراراتها النافذة لا غيرها من "النظم" و"الدول" الموازية والعميقة.. فسيان أن يحصل هذا الحزب أو ذاك على ما تقدره الجماهير، لكن في أجواء صحية، وحين ينال الأغلبية؛ فإن أدوات الدولة كلها يتوجب أن تُستنهض لمعاونته لا مناهضته، وحيثما؛ فإن التقويم الحقيقي يكون في مناخ طبيعي.. وسواه مبتور سقيم. ولو حصل الحزب الخاسر على 90% لتوجب أن يقال ما تقدم عن "ممارسة ديمقراطية عرجاء"، وإلا فإن من المحال أن يكون هدف ثورة شباب الياسمين، قائداً في عقده التاسع خدم بكل عصور الاستبداد.. وإلا فلم انتحر البوعزيزي أو انتحب الحفناوي.. وهرم وهرمنا معه؟! 0 3, 412