وسوسة الشيطان لهم: لقد علمنا أنهم أصحاء أقوياء يحصلون على المأكل والمشرب بكل سهولة ويسر وبدل أن يحمدوا الله على ذلك عتوا في الأرض فسادا, ظنا منهم أن ما عندهم من قوة ووفرة في كل شيء ليس لله دخل فيه, وأنساهم الشيطان أن الله هو الرزاق الذي مدهم بالقوة والعلم لكي ينحتوا تلك القصور في الجبال, فنسوا الله وعبدوا الأصنام, ولكن الله يحب عباده أن يعبدوه هو الواحد الأحد الذي يطعمهم ويسقيهم وأنه بيده كل شيء, حيث قال تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ". إرسال صالح لهدايتهم: فبعث الله لهم أخاهم سيدنا صالح فهم يعرفونه جيدا, فقال لهم صالح في قوله تعالى "يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ", وأخذ يخبرهم بأن كل ما هم فيه من قوة وصحة هو من عند الله وهو قادر أن يفنيه في لحظة أو أقل, وحذرهم بأن الله أهلك قوم سيدنا نوح وقوم عاد الذين سبقوهم بالكفر وعبادة الأصنام, وأن كل ذلك بسبب اتباعهم للشيطان ووسوسته, وأخذ يدعوهم وينصحهم إلى طريق الله وحده وعبادته لكن كل ذلك حال دون جدوى. ناقة صالح: فطلبوا من نبي الله صالح طلبا تعجيزيا ظنا منهم أن الله لا يقدر على تلبية ذلك الطلب, فطلبوا ناقة عشراء تخرج لهم من صخرة صلبة يشربون لبنها وأن يكفيهم كلهم, وأخذ نبي الله منهم عهود أن يتركوا عبادة الأصنام إن أخرج لهم تلك الناقة, فحدثت المعجزة أمام أعينهم وخرجت الناقة, وحذرهم بأن لا يمسوها وأن تشرب هي من البئر في يوم وهم في اليوم الآخر حتى لا يتعرضوا لغضب من الله.
كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير. فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في القوم.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له: قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كتب الاصلح - مكتبة نور. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه.
- وقال لهم نبيّهم كما ورد في الآية في قول الله -تعالى-: (قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم هـذِهِ ناقَةُ اللَّـهِ لَكُم آيَةً فَذَروها تَأكُل في أَرضِ اللَّـهِ وَلا تَمَسّوها بِسوءٍ فَيَأخُذَكُم عَذابٌ أَليمٌ)، ولكنّهم لم يتركوها ونادوا صاحبهم عاقر الناقة فعقرها؛ أي قتلها، فأرسل الله عليهم صيحةً في اليوم الرابع من عقرها فصاروا كالهشيم اليابس.
نقدم إليك عزيزي القارئ مقالنا اليوم من موسوعة حول قصة النبي صالح وقوم ثمود ، وهو أحد الأنبياء التي بعثه، وأرسله الله سبحانه وتعالى؛ لكي يدعو قوم ثمود إلى الهداية، وإلى عبادة الله، فهم كانوا يتصفوا بعدد من السمات منها الجحود، والقوة، الشدة، كما عُُرف عنهم نحتهم العظيم للبيوت في الجبال. وسنتحدث عن المعجزة التي حدثت، وناقة سيدنا صالح ، ونهاية قوم ثمود خلال السطور التالية، فتابعونا عندما كان نبينا صالح يدعوا القوم لعبادة الله، طلبوا منه أن تحدث معجزة من عند الله حتى يصدقوا كلامه، ومن ثم يعبدوا الله، ويشهدوا أن لا إله إلا هو، ويبتعدوا عن عبادة الأصنام، وبالفعل أنزل الله معجزته، فوجدوا ناقة تشق الصخر في الجبال، وتخرج منه وأسموها بناقة صالح. وجاء ذلك قول الله تعالى من سورة الأعراف:"وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(74)".
بتصرّف. ↑ أبو البركات عبد الله النسفي (1419 هـ - 1998 م)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار الكلم الطيب، صفحة 580، جزء 1. بتصرّف. ↑ سورة هود، آية: 65. ↑ محمد الطاهر بن محمد التونسي (1984 هـ)، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» (الطبعة الأولى)، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 154، جزء 12. بتصرّف. ↑ لجنة من علماء الأزهر (1416 هـ - 1995 م)، المنتخب في تفسير القرآن الكريم (الطبعة الثامنة عشرة)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، صفحة 774، جزء 1. بتصرّف. ↑ أسعد حومد، أيسر التفاسير ، صفحة 4597-4599. بتصرّف.
وفي فجر اليوم الرابع اختفت السماء من صرخة شديدة، على الجبل ماتت كل المخلوقات. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح فقد تركوا هذا المكان معه. شاهد أيضاً: قصة سيدنا يونس في بطن الحوت للأطفال في خاتمة حديثنا حول هذا الموضوع الشيق نرجو أن تكونوا قد استفدتم مني بشكل كبير وواضح، دمتم بخير.