وعند التفات القلب يكون للمصلي أحد الحالتين: • الحالة الأولى: أن يكون في صراع ومواجهة مع هذا الوسواس الخناس؛ بحيث يأخذ بزمام ذاكرته الجامحة كلما ذهبت به للتفكر في غير الصلاة؛ ليردها إلى مسارها، حتى ترجع المياه إلى مجاريها؛ فالمصلي في هذه الحالة قد تلبس بعبادتين في عبادة واحدة، عبادة الصلاة، وعبادة جهاد النفس وهو الجهاد الأكبر، وبذلك يحقق لنفسه أجرين، ويضرب بحجر واحد عصفورين كما يقال، وهذا المستوى في الصلاة لا يصل إليه المسلم إلا بالتمرين والتدرب عليه بالتزامه حتى يترسخ في ذاكرته. • الحالة الثانية: أن يسمح المصلي لذاكرته بمغادرة الصلاة، لتسبح به في بحور من الأحلام والأوهام، تدخل وتخرج دون أن يصدر منه أي محاولة لكبح جماحها، ولِفَرْمَلة انحرافها كما يقال؛ فالمصلي في هذه الحالة قد ارتكب مكروها وصلاته صحيحة ولكنها ناقصة؛ لقول الله تعالى: {قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ}. ● النوع الثاني: الالتفات بالعين؛ بحيث ينظر المصلي بعينيه يمينا وشمالا وأسفل وأعلى، وينتظر أي تحرك بجانبه ليوجه إليها بصره فاحصا متفحصا؛ فيكون قد ارتكب مكروها وصلاته صحيحة ولكنها ناقصة؛ روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبيﷺ: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، -فاشتد قوله في ذلك، حتى قال-: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك، أو لتُخطَفَنَّ أبصارهم»؛ وفي حكم الالتفات بالعين الالتفات بالسمع؛ بحيث يوجه أذنه وانتباهه لمن يتحدث بجانبه.
النهي عن الالتفات في الصلاة [1] الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فإنه من المقاصد العظيمة التي شُرعت لها الصلاة، أنها شُرعت لتكون مطهرة للمؤمنين من الذنوب والمعاصي والآثام؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنه [2] شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)) [3]. قال ابن رجب: "هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمحو الخطايا بالصلوات الخمس، فجعل مثل ذلك مثل مَن ببابه نهر يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فكما أن درنه ووسخه ينقى بذلك حتى لا يبقى منه شيء، فكذلك الصلوات الخمس في كل يوم تمحو الذنوب والخطايا حتى لا يبقى منها شيء" [4]. غير أن هذا الفضل الذي ورد في الحديث لا يناله كل من صلى، وإنما يناله من أحسن في صلاته، وأقبل على الله بخشوع وخضوع؛ فعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله)) [5].
حاول خنق الرسول: وإنّ خنق عقبة للرسول هو من أشد صور الإيذاء التي شهدها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من المشركين، وقد سأل عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَمْرٍو عن أشَدِّ ما صَنَعَ المُشْرِكُونَ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: " رَأَيْتُ عُقْبَةَ بنَ أبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ في عنُقِهِ، فَخَنَقَهُ به خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ حتَّى دَفَعَهُ عنْه، فَقَالَ: "أَتَقْتُلُونَ رَجلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ"[1] من سورة غافر"[2]. وعند غزوة بدر كان أحد الاسرى الذين أسرهم المسلمون، فأمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عاصم بن ثابت أن يقتل عقبة، فأخد عقبة بن أبي معيط "يَا وَيْلَاهُ، عَلَامَ أقْتَلُ مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ"، وكان ذلك جزاءٌ له على معاداته للرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وإيذاؤه له. [3] صور من إيذاء المشركين للرسول بعد أن فشلت قريش في ردع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وردّه عن سبيل الدعوة الإسلامية، أظهروا كل ما لديهم لإيذاء الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ومن نصره وآمن به:[4] كان أهل قريش يلاحقون الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ويقولون له الكثير من الشتائم وسوء الكلام ويصفونه بالكاذب.
عنق النبي صلى الله عليه وسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم إبريق فضة. رواه ابن سعد في الطبقات والبيهقي. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحسن عباد الله عنقاً ، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر ، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهباً ، يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب ، وما غيب الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر. رواه البيهقي وابن عساكر. كأن عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم إبريق فضة كأن الذهب يجري في تراقيه. رواه ابن عساكر كما في الكنز. قال مقاتل بن حيان: أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم: جد في أمري ولا تهزل … إلى أن قال: صدقوا النبي الأمي العربي … كأن عنقه إبريق فضة ، وكأن الذهب يجري في تراقيه. رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.