الفائدة من القصة رغم قوّة حكم ذو القرنين وما أعطاه الله من الحكمة ومن قوّة ومن عزّة لم يسكن قلبه الغرور ، فقد جال الشرق والغرب وحكم العالم بحكمهِ العادل ولم تأخذه الكبر ، وأن الحاكم الصالح باستطاعتهِ التغيير للأحسن لقومهِ وشعبهِ ، ورغم الفتوحات التي فتحها وحكمه الشاسع لم يكن هدفه الجمع المادي فقط للدعوة الى الله ورفع الظلم ، ولم يقم من الإستغلال للأشخاص والجماعات الذين كان يمر عليهم وكان يعاملهم برفق ، فهي قصة يجب أن يتّعظ منها الحكام ومن لديه السلطة سواء كان في عمله أو في بيته أو مهما كان فالرفق والرحمة والتواضع من صفة العظماء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقصة ذي القرنين قد قص الله تعالى علينا منها ذكرا وعبرا في سورة الكهف في الآيات { 83-98} وقد أفاض المفسرون والمؤرخون في تفاصيل ذلك ونختار لك منه ما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره فقد اقتصر على النافع المفيد حيث يقول: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} كان أهل الكتاب أو المشركون، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين، فأمره الله أن يقول: { سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} فيه نبأ مفيد، وخطاب عجيب. أي: سأتلوا عليكم من أحواله، ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى ذلك من أحواله، فلم يتله عليهم. { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}.
وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم، ارجعوا فستحفرونه غدا، فيعودون إليه فيرونه كأشد ما كان, حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله، فيعودون إليه وهو على هيئته التي تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم, فيرمون بسهام إلى السماء, فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون، قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء, فيبعث الله عليهم ما يهلكهم. وبعد بناء السد عاد "ذو القرنين" حتى بلغ بابل, فنزل به الموت فكتب إلى أمه يعزيها عن نفسه, وكان في كتابه, اصنعي طعامًا واجمعي من قدرت عليه من أبناء المملكة, ولا يأكل من طعامك من أصيب بمصيبة، ففعلت فلم يأكل أحد, فعلمت ما أراد.