النقود للضفادع: ركب جحا يوماً حماره وسار في طريقه نحو النّهر، وكان الحمار عطشاناً وأراد الماء، فاتّجه نحو النهر ليشرب الماء إلّا أن رجله زلقت وكاد أن يتسبب بوقوع جحا في النهر، لولا أن نقّت الضفادع فهاب الحمار من صوتها وعاد إلى الخلف ونجا جحا من الوقوع في النهر، وعندها فرح جحا وأخرج من جيبه نقوداً ورماها في النهر، وقال للضفادع إن هذه النقود مكافأة وشكر لهن على معروفهن في نجاته من الوقوع في النّهر. رجله غير متوضئة: أراد جحا أن يصلي وقام للوضوء، وعندما توضأ لم يكن الماء كافياً لإكمال وضوئه فبقيت رجله اليُسرى دون غسيل، وعندما وقف إلى الصلاة رفع رجله اليُسرى ووقف على رجله اليُمنى فقط، فسأله أصحابه باستغراب عن تصرفه هذا، وعندها رد قائلاً أنه لا عجب في ذلك فإن رجله اليسرى غير متوضئة.
وبين هاتين الصورتين، كان جحا يصعد نجمه في المستوى التخييلي والأسطوري ليصبح شخصية معقدة من حيث البنى التركيبية، بحيث يمكن تقليبه وفق كافة المناظير التي اكتسب عبرها بعده العميق والنادر، ما حافظ عليه إلى اليوم، إذ لا تكاد ثمة شخصية أكثر محافظة على دورها الاجتماعي لدى الشعوب المسلمة أكثر منها. حول جحا الأول تشير المصادر إلى أن أبا الغصن دجين الفزاري، ولد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري حوالي سنة 60 هجرية، وقد قضى شطر حياته في الكوفة وتوفي بها عام 160 هجرية أيام خلافة أبي جعفر المنصور. من هو جحا؟ - رائج. وقد وصف أبو الغصن جحا بحسب الإمام الذهبي بأنه كان من العقّال، وقال عنه نقلاً عن عباد بن صهيب "ما رأيت أعقل منه"، ويروى أنه كان يمزح في أيام شبابه، وعندما كبر وشاخ أصبح مصدراً للحكمة والرسوخ العميق. ولعل هذا قد يكشف أيضاً التدرج في هذه الشخصية بحسب مراحل عمرها، ما جعل طرائق جحا تُبنى على طبقات مختلفة من الوعي الجمالي والأخلاقي والمعرفي، يوازي تدرج الحكمة ومساراتها لدى الإنسان مع نمو الذات وتقدم السن. وتشير روايات أخرى إلى أن دجين كان فقيهاً وبالتالي فكثير من القصص قد انتحلت عليه جراء الخصومات السياسية في تلك الأيام، ويورد النسائي قولاً: "لعل التجريح قد جاء مما نسب إليه من نوادر وفكاهات لا تليق براوي حديث"، وثمة من رأى أن الرجل وقع فريسة المكايدات بين أهل الكوفة والبصرة في تلك العصور.
يُعتبرُ جحا العربي شخصيةً حقيقيةً شهيرةً قد مرّت في سياق التاريخ العربي، ويقال أنه وُلِدَ في العقد السادس من القرن الأول الهجري وسكن الكوفة في أغلب حياته، وقد اختلفت الآراء حول اسمه الحقيقي؛ فيقول الجاحظ أن اسمه الحقيقي هو نوح وكنيته أبو الغصن، بينما يُخالفه آخرون فيقولون أن اسمه هو عبد الله أو دجين بن ثابت أوالدجين بن الحارث ، ويوافقون الجاحظ على الكنية. بينما جحا التركي هو نصر الدين خوجة أو الخوجة نصر الدين الذي يُعتبر من أشهر الشخصيات التركية التي يُروى عنها في قصص الذكاء والغباء وفي النوادر التي تتضمن الحكمة، كما ويُعتبر شخصيةً يُقتدى بأفعالها وأقوالها. أما جحا والحمار فهي سلسلةٌ من إعداد منصور علي عرابي مؤلفةٌ من ثلاثين قصةٍ من القصص المُوجّهة نحو الأطفال، وهي تُعطي الحكمة بأسلوبٍ فُكاهيٍّ ومُشوّقٍ؛ حيث تتحدث عن المواقف الطريفة التي حدثت مع جحا وحماره العزيز الذي قيلَ بأنهُ أحياناً ما كان يُفضّلهُ على زوجته وأولاده، ويعتبره حيواناً مُميزاً يختلف عن باقي الحمير التي اشتراها خلال حياته، ويخلعُ عليه العديد من صفات البشر، ويدعي بأن لديه عقلاً يجعله يُعبّرُ عمّا يُريد من الحب والكره والقبول والرفض.
والله أعلم.
وقال الحافظ ابن عساكر أنه عاش أكثر من مائة سنه. وذكر أن جُحا هو تابعي، وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك، وكان الغالب عليه السماحة، وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به. وذكر جحا هذا في كتب الجلال السيوطي، والذهبي، والحافظ ابن الجوزي الذي قال: "... ومنهم (جُحا) ويُكنى أبا الغصن، وقد روي عنه ما يدل على فطنةٍ وذكاء. إلا أن الغالب عليه التَّغفيل، وقد قيل إنَّ بعض من كان يعاديه وضع له حكايات. من نوادر جحا العربي وقال الميداني: "هو رجل من فزارة. وكان يكنى أبا الغصن. فمن حمقه أن عيسى بن موسى الهاشمي مر به وهو يحفر بظهر الكوفة موضعاً فقال له: مالك يا أبا الغصن؟ قال: إني قد دفنت في هذه الصحراء دراهم ولست أهتدي إلى مكانها. فقال عيسى: كان يجب أن تجعل عليها علامة. قال: قد فعلت. قال ماذا؟ قال: سحابة في السماء كانت تظلها ولست أرى العلامة. من هو جحا ونوادره. ومن حمقه أيضاً أنه خرج من منزله يوماً فعثر في دهليز منزله على قتيل فضجر به، وجره إلى بئر منزله فألقاه فيها، فنذر به أبوه فأخرجه وغيبه وخنق كبشاً حتى قتله وألقاه في البئر. ثم إن أهل القتيل طافوا في سكك الكوفة يبحثون عنه فتلقاهم جحا فقال: في دارنا رجل مقتول فانظروا أهو صاحبكم.