موقع شاهد فور

فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون

June 26, 2024

وقوله تعالى: { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم. كلا} أي أيطمع هؤلاء، والحالة هذه من فرارهم عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ونفارهم عن الحق، أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا بل مأواهم جهنم، ثم قال تعالى مقرراً لوقوع المعاد والعذاب بهم مستدلاً عليهم بالبداءة: { إنا خلقناهم مما يعلمون} أي من المني الضعيف، كما قال تعالى: { ألم نخلقكم من ماء مهين} ، وقال: { فلينظر الإنسان مما خلق. فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} ، ثم قال تعالى: { فلا أقسم برب المشارق والمغارب} أي الذي خلق السماوات والأرض، وسخّر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها، { إنا لقادرون على أن نبدل خيراً منهم} أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك، { وما نحن بمسبوقين} أي بعاجزين، كما قال تعالى: { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه. بلى قادرين على أن نسوي بنانه} ، وقال تعالى: { نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون} ، واختار ابن جرير { على أن نبدل خيراً منهم} أي أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله: { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} ، والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة المعارج - قوله تعالى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون - الجزء رقم30

ثم قال تعالى: { فذرهم} أي يا محمد { يخوضوا ويلعبوا} أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم، { حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله، { يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون} أي يقومون من القبور، إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب، ينهضون سراعاً { كأنهم إلى نصب يوفضون} قال ابن عباس: إلى علَم يسعون، وقال أبو العالية: إلى غاية يسعون إليها. { نُصُب} بضم النون والصاد وهو الصنم، أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف، كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه، { يوفضون} يبتدرون أيهم يستلمه أول، وهذا مروي عن مجاهد وقتادة والضحّاك وغيرهم، وقوله تعالى: { خاشعة أبصارهم} أي خاضعة { ترهقهم ذلة} أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة { ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة المعارج - قوله تعالى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون - الجزء رقم30. تفسير الجلالين { فذرهم} اتركهم { يخوضوا} في باطلهم { ويلعبوا} في دنياهم { حتى يلاقوا} يلقوا { يومهم الذي يوعدون} فيه العذاب. تفسير الطبري وَقَوْله: { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِين وَعَنِ الشِّمَال عِزِين, يَخُوضُوا فِي بَاطِلهمْ, وَيَلْعَبُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا.

فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون

قلت: قضى- مثلا- أن قوم نوح، إن آمنوا عمرهم ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة فقيل لهم: آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى، أي وقت سماه اللّه وضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه، وهو الوقت الأطول، تمام الألف ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل، لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت، ولم تكن لكم حيلة، فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير عنكم وحيث يمكنكم الإيمان. وقيل: إنهم كانوا يخافون على أنفسهم الإهلاك من قومهم بإيمانهم وإجابتهم لنوح عليه الصلاة والسلام، فكأنه عليه الصلاة والسلام أمنهم من ذلك، ووعدهم أنهم بإيمانهم يبقون إلى الأجل الذي ضرب لهم لو لم يؤمنوا، أي أنكم بإسلامكم تبقون آمنين من عدوكم إلى الأجل الذي كتبه اللّه عز وجل لكم.

القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الزخرف - الآية 83

وهَذا الِاسْتِعْمالُ هو المُعَنْوَنُ في أُصُولِ الفِقْهِ بِإضافَةِ التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ إلى الأعْيانِ، أوْ إسْنادِ التَّحْرِيمِ والتَّحْلِيلِ إلى الأعْيانِ، ولِوُضُوحِ دَلالَةِ ذَلِكَ عَلى المُرادِ لَمْ يَعُدُّهُ جُمْهُورُ عُلَماءِ الأُصُولِ مِن قَبِيلِ المُجْمَلِ خِلافًا لِلْكَرْخِيِّ وبَعْضِ الشّافِعِيَّةِ. وقَدْ يُتَوَسَّلُ مِنَ الأمْرِ بِالتَّرْكِ إلى الكِنايَةِ عَنِ التَّحْقِيرِ وقِلَّةِ الِاكْتِراثِ كَقَوْلِ كَبْشَةَ أُخْتِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ تُلْهَبُ أخاها عَمْرًا لِلْأخْذِ بِثَأْرِ أخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وكانَ قَدْ قُتِلَ: ؎ودَعْ عَنْكَ عَمْرًا إنَّ عَمْرًا مُسالِمُ وهَلْ بَطْنُ عَمْرٍو غَيْرُ شِبْرٍ لِمَطْعَمِ وما في هَذِهِ الآيَةَ مِن ذَلِكَ الأُسْلُوبِ أيْ: لا تَكْتَرِثْ بِهِمْ فَإنَّهم دُونَ أنْ تَصْرِفَ هِمَّتَكَ في شَأْنِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ﴾ [فاطر: ٨]. وبِهَذا تَعْلَمُ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى فَذَرْهم لا عَلاقَةَ لَهُ بِحُكْمِ القِتالِ، ولا هو مِنَ المُوادَعَةِ ولا هو مَنسُوخٌ بِآياتِ السَّيْفِ كَما تَوَهَّمَهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ.

وإضافَةُ (يَوْمٍ) إلى ضَمِيرِ هم لِأدْنى مُلابَسَةٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ يُلاقُوا بِألِفٍ بَعْدَ اللّامِ مِنَ المُلاقاةِ. وقَرَأهُ أبُو جَعْفَرٍ بِدُونِ ألِفٍ مِنَ اللِّقاءِ. واللِّقاءُ: مُجازٌ عَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَعَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ هو مَجازٌ مِن جِهَتَيْنِ؛ لِأنَّ اليَوْمَ لا يَلْقى ولا يُلْقى. وعَلى قِراءَةِ أبِي جَعْفَرٍ هو مَجازٌ مِن جِهَةٍ واحِدَةٍ؛ لِأنَّ اللِّقاءَ إنَّما يَقَعُ بَيْنَ الذَّواتِ. و﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ﴾ بَدَلٌ مِن (يَوْمَهم) لَيْسَ ظَرْفًا. والخُرُوجُ: بُرُوزُ أجْسادِهِمْ مِنَ الأرْضِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (يَخْرُجُونَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ. وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِضَمِّها عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ. والأجْداثُ: جَمَعُ جَدَثٍ، بِفَتْحَتَيْنِ، وهو القَبْرُ، والقَبْرُ: حَفِيرٌ يُجْعَلُ لِمُواراةِ المَيِّتِ. وضَمِيرُ (يَخْرُجُونَ) عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ المُخْبَرِ عَنْهم بِالأخْبارِ السّابِقَةِ. وجَمِيعُهم قَدْ دُفِنُوا في قُبُورٍ أوْ وُضِعُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ.

وتَسْمِيَةُ الأصْنامِ الَّتِي كانُوا يَعْبُدُونَها. ودَعْوَةُ نُوحٍ عَلى قَوْمِهِ بِالِاسْتِئْصالِ. وأشارَتْ إلى الطُّوفانِ. ودُعاءُ نُوحٍ بِالمَغْفِرَةِ لَهُ ولِلْمُؤْمِنِينَ، وبِالتَّبارِ لِلْكافِرِينَ كُلِّهِمْ. وتَخَلَّلَ ذَلِكَ إدْماجُ وعْدِ المُطِيعِينَ بِسَعَةِ الأرْزاقِ وإكْثارِ النَّسْلِ ونَعِيمِ الجَنَّةِ.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]