ومن أولئك الشعراء من يدينون بخلودهم لأوصافهم الطبيعية الرائعة، وقلما يهتم أحد اليوم لما نظموه في النسيب أو الاجتماع أو السياسة، مثل تنيسون، بل منهم من لم يكد يؤثر عنه قول في غير الطبيعة، أو تخلو قصيدة له من أثرٍ لها، مثل وردزورث. ولا غرو فالطبيعة مادة الشعر وصميمه، ولربما عَرَضَ في القصيدة قد نُظمَتْ في أي غرض كان بيتٌ أو بيتان يحويان وصفاً طبيعياً بديعاً، فإذا هما يرفعان من قدرها ويحببانها إلى النفوس ويكونان سبب اشتهارها وسيرورتها. ورد صناعي مثل الطبيعي للصقور. ولا ندحة عن القول بأن الطبيعة لم تنل هذه الرعاية ولم تحتل هذه المكانة في الأدب العربي، ففي العربية لا ريب أوصاف طبيعية بالغة غاية الجودة، ولكنها قليلة إذا قيست بنظائرها في الإنجليزية، قليلة إذا قيست بما نظم أو نثر في العربية ذاتها في غير الطبيعة من أغراض، فليس ما قيل في وصف جمال الطبيعة ببالغ عشر معشار ما قيل في التشبيب بالجمال الإنساني، ولم يُعرف من شعراء العربية من قَصرَ شعره على التغني بمباهج الطبيعة، وإن منهم لَمنْ قَصرَ قوله على النسيب بهند وليلى وأترابهما. وقلما جاءت أوصاف محاسن الطبيعة مقصودة لذاتها مستقلة بنفسها في قصيدة أو رسالة، بل كان ذكرها غالباً يأتي عرضاً كأنها غير جديرة وحدها بالتفات الشاعر وتكلُّفه عناء النظم، وكانت تستعار مظاهرها وأحوالها لبيان أغراض أخرى عن طريق التشبيه تُرصَّعُ القصيدة بفنونه، وجاء أصحاب المجموعات الشعرية الذين اختاروا صفوة أشعار العرب في أقوى عصور الأدب، كأبي تمام والمفضل الضبي، فما أفردوا للطبيعة باباً من أبواب مختاراتهم، وإنها لأجدر بالصدر.
وأزن هذين البيتين بقول تنيسون في زهرة ضئيلة: (أيتها الزهرة النامية بين شقوق الجدار، ها قد انتزعتْك أناملي، وهاأنت كلك محمولة في كفي، بيد أني لو استطعت استكناه سرك لعرفتُ سر الله والإنسان جميعاً) فهذا شاعر يفكر ويتأمل ويتوق إلى المعرفة، وذانك شاعران يسلمان تسليم العجز، فلا أجادا التصوير ولا استرسلا في التفكير. فأغلب شعر الطبيعة في العربية - على قلته - تنقصه حرارة الشغف بها وطول مصاحبتها وممازجتها روحاً بروح، وإدمان التأمل في محاسنها ومحاولة النفاذ إلى معانيها، وصدق التعبير عن وحيها ودقة الوصف لمجاليها المتعددة، وظلَّ الالتفاتُ إليها دائماً ثانويا، والانتباه إليها عرضياً، والأُنس بها وقتيا وشيك الزوال. بل كان من فحول العربية من كأن بينهم وبين الطبيعة حجاباً كثيفاً، فندر أن أعاروها بالاً، ولم يقع ذكرها في شعرهم ونثرهم، إلا وقوع الغلط، كالمتنبي والشريف الرضي، برغم كثرة أسفار الأول بين العواصم والفلوات، وقد صرف الكُتَّاب صناعتهم إلى كثير من وجوه البيان، فلم يختصوا الطبيعة بكبير عناية، وتوخى بديع الزمان في مقاماته أن يضرب في كل ناحية من نواحي القول بسهم، ليبدي براعته للقارئين، إلا الطبيعة فأنها لم تفز منه بالتفات.
مجلة الرسالة/العدد 59/عرش الورد للأستاذ مصطفى صادق الرافعي كانت جَلوة العروس كأنها تصنيف من حلم، توافت عليه أخيلة السعادة فأبدعت إبداعها فيه، حتى إذا اتسق وتم، نقلته السعادة إلى الحياة في يوم من أيامها الفردة التي لا يتفق منها في العمر الطويل إلا العدد القليل، لتحقق للحي وجود حياته بسحرها وجمالها، وتعطيه فيما ينسى ما لا ينسى. خرج الحلم السعيد من تحت النوم إلى اليقظة، وبرز من الخيال إلى العين، وتمثل قصيدة بارعة جعلت كل ما في المكان يحيا حياة الشعر؛ فالأنوار نساء، والنساء أنوار، والأزهار أنوار ونساء، والموسيقى بين ذلك تتم من كل شيء معناه، والمكان وما فيه، وزن في وزن، ونغم في نغم، وسحر في سحر. Brioche اروع بريوش اقتصادي هشيش خفيف مثل القطن و الحشوة كتحمق جربي ورد... : oumayoub. ورأيت كأنما سحرت قطعة من سماء الليل، فيها دارة القمر، وفيها نثرة من النجوم الزهر، فنزلت فحلت في الدار، يتوضحن وتأتلقن من الجمال والشعاع، وفي حسن كل منهن مادة فجر طالع، فكن نساء الجلوة وعروسها. ورأيت كأنما سحر الربيع، فاجتمع في عرش أخضر، قد رصع بالورد الأحمر، وأقيم في صدر البهو ليكون منصة للعروس، وقد نسقت الأزهار في سمائه وحواشيه على نظمين: منهما مفصل ترى فيه بين الزهرتين من اللون الواحد زهرة تخالف لونهما؛ ومنهما مكرس بعضه فوق بعض، من لون متشابه أو متقارب، فبدا كأنه عش طائر من طيور الجنة أبدع في نسجه وترصيعه بأشجار سقي الكوثر أغصانها.