فقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات) يعني أحد أمرين الأول: أن وقوعها واعتبارها شرعا لا يكون إلا بالنية, فكل عمل اختياري يفعله العبد لا بد له من نية باعثة على هذا العمل, والثاني أن صحة هذه الأعمال وفسادها, وقبولَها وردَّها, والثواب عليها وعدمه لا يكون إلا بالنية. فالعبادات والأعمال الصالحة بأنواعها, من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج وغيرها لا تصح ولا تعتبر شرعا إلا بقصدها ونيتها ، بمعنى أن ينوي تلك العبادة المعينة دون غيرها, فلا بد من النية لتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر مثلا, ولا بد منها لتمييز صيام الفريضة عن صيام النافلة, وهكذا. وكما أن النية مطلوبة لتمييز العبادات بعضها عن بعض, فهي مطلوبة أيضا لتمييز العادة عن العبادة, فالغسل مثلاً يقع للنظافة والتبريد ، ويقع عن الحدث الأكبر ، وعن الجمعة ، والنية هي التي تحدد ذلك, وهذا المعنى للنية هو الذي يذكره الفقهاء في كلامهم.
[١٣] [١٤] وقد رُوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّ سبب قول النّبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الحديث أنّ رجلاً من أهل مكة كان يهوى امرأةً من المدينة تُدعى أم قيس، وعندما خطبها رفضت إلّا أن يُهاجر لها، فهاجر لها وتزوّجها، وسمّاه النّاس بمهاجر أم قيس. معاني حديث انما الاعمال بالنيات. [١٥] [١٦] أهميّة النية تكمن أهميّة النّية في عدة أمور، وفيما يأتي بيانها: تعدّ النّية شرطاً لقبول الأعمال؛ فكلّ عملٍ يقوم به المسلم لا يقبل إلّا بشرطين؛ أولهما: الإخلاص إلى الله -تعالى-، وثانيهما:أن يُوافق هذا العمل شرع الله ورسوله، فأيّ عملٍ أريد به غير الله وكانت نيّة صاحبه الشهرة أو الرياء فهو غير مقبول. [١٧] [١٨] تعتبر النّية الصّالحة من أهم أعمال القلوب التي تسببّ للمسلم السّعادة في الدّنيا والآخرة. [١٩] تكون النّية سببٌ في استمرار الأجر عند من اعتاد على فعلٍ ما، ثمّ منعه عذرٌ معيّن من القيام به، فمن نوى الجهاد مثلاً وعزم على الذّهاب، ثمّ حبسه عذرٌ كالمرض، كُتب له أجر المجاهد؛ لأنّ الله يُحاسب العبد على نواياه، وهذا من لطف الله -تعالى- ورحمته، ومثال ذلك قول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا).