موقع شاهد فور

على كيف امك الدين هو

June 28, 2024

وأنت تقول: إنَّ أخواتِك قاطعْنك نهائيًّا، وعلاقتك بوالدتك متوتِّرة؛ لأنَّها ترى أنَّك تكرهها وتكره أخواتك؛ لذلك عليك أن تتبع قوله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. نصيحتي لك - أخي الفاضل -: أنَّ أوَّل شيء عليك أن تفعله هو إعادة بناء العلاقة مع والدتك وأخواتك؛ لأنَّك - كما قلت - في بلد بعيدة عنهم، وكلَّما تأتي وترى ما لايسرّك وتتكلَّم، تدعو أمك عليك، وتقول لك: إنك تأتي بالمشاكل، وهذا يَجعلهن يضعن حاجزًا كبيرًا أمام كلِّ كلمة تقولها؛ لأنَّهن لا يريْنَك إلاَّ وأنت تحمل معك اعتراضًا أو نصيحة؛ لذلك حاول أن تكسب قلوبهنَّ وتستعيد حبَّهنَّ ومودَّتهنَّ لك؛ لأنَّ الحبَّ يصنع المعجزات.

إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام

وكنت وقْتها في عمر الخامسة والعشرين تقريبًا، فبدأ حديثها يكون حادًّا وأنا كذلك؛ لأنني لم أتحمَّل ما يفعله أخواتي أمامي. وأذكر أيضًا في نفس تلك السفرة طلبت إحْدى أخواتي أن تَذْهب إلى نادٍ ليلي - مكان يدار فيه الخمْر والعياذ بالله، ولا تعرف الصَّاحي من المسطول - فرفضت رفضًا قاطعًا أن أذْهَبَ بِهن، فاتَّصلتْ أُخْتِي على أبي وهو في السُّعوديَّة؛ لتشتكي له منِّي، وتقول له: "هذه ليست سفرة هذا نكد"، ثم أكملت ما تبقَّى أمِّي، فما كان من أبي إلاَّ أن اتَّصل بي وهو يترجَّاني أن أذهب بهن وأن أكْفِيه شرَّهن، وأن أرْحَمه وهو في هذا العمر. والله أنا أحسستُ أنَّني المذنب؛ لأنِّي أوْصلتُه إلى تلك الحالة، ولَم أستطِع أن أشرح له؛ لأنَّه قال لي: لو فيه إبليس اذهب بِهن. فرحِمْته ورحمت عمره الَّذي أوْشك على الانتِهاء فذهبتُ بِهن، ولا حوْل ولا قوَّة إلاَّ بالله. كيف أتعامل مع والديَّ؟. عندما رجعن قرَّرن ألا يسافرن خارجًا إلاَّ وحدهنَّ أو مع أخي الصَّغير، فبدأن يسافرن وحدهنَّ، وكلَّما كلَّمت والدتي أنَّ هذا خطأ، تغضب مني، ثمَّ أبدأ بالمشاجرة معها؛ فلست ذلك الشَّخص الذي يصبر، فأنا سريع الغضب والانفعال. كم مرَّةٍ تناقشت معها عن غطاء الوجْه، فتردّني خائبًا!

كيف أتعامل مع أمي فقد فقدت صوابي؟

ثم يبدأ تصاعُد الكلام فتكبر المشكلة، وهذا ما لا أريده، والحمد لله على كل حال. الجواب: وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته. حيَّاك الله أخي الفاضل في الألوكة، وعذرًا لتأخُّري في الرَّدِّ؛ وذلك لظروف خارجة عن قدرتي. على كيف امك الدين هو. بدايةً: لا أخفيك تعجُّبي من التَّناقض بين أمِّك وأبيك، ومن تناقض والدِك نفسه، فهو علَّمك من صغرك: "أنَّ الَّذي لا يغار على أهلِه ديوث، وأنَّ الَّذي يرى على أهله خللاً ولا يتدخَّل لإصلاحه فليس فيه خير"، ثم تقول: إنَّه حين طلبتْ منك أختك أن تذهب بِهن إلى النَّادي الليلي، "فما كان من أبي إلاَّ أن اتَّصل بي وهو يترجَّاني أن أذهب بهن، وأن أكْفِيه شرَّهن، وأن أرْحَمه وهو في هذا العمر"، ثم يقول: "لو فيه إبليس اذهب بهن"! فكيف يسكت على هذا الأمر؟! بل ويطلب منك الذَّهاب بهن، وهو الذي علَّمك أنَّ مَن يسكت ولا يتدخَّل لا خير فيه! أخي الكريم، ما حدث قد حدث، والمشكلة بيْنك وبين والدتِك وأخواتك قد حدثت، لكن المهمُّ الآن هو: كيف تصلِح الخلل دون أن تَخسر أخواتِك ووالدتَك؟ لأنَّ القطيعة لا تجوز؛ فقد أخرج البُخاري ومسلم في الصَّحيحين من حديث أبي أيُّوب الأنصاري - رضِي الله عنهما -: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يحل لامرئ يؤمِن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلْتقيان فيعرض هذا ويُعْرض هذا، وخيرُهُما الَّذي يبدأ بالسَّلام)).

كيف أتعامل مع والديَّ؟

السؤال: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. السلام عليكم، منذ أن التزمت بدين الله وأنا أواجه مشاكل مع والدي؛ فهو صعبُ التعامل في أمور الدين ويعانِد بشدة حتى إنه سبَّ الدين أكثر من مرَّة عند الغضب، وازداد الأمر سوءًا بعد زواجي من شخصٍ ملتزمٍ، حسن الخُلُق ويحسن إلى والدَيَّ كثيرًا، ومع ذلك أمي دائمة الإساءة إليه وإلى أمِّه، وتريدني أن أعطيَها الحق في ذلك، وتريد الإطاحة بزوجي، وتشويه سمعته عند العائلة بطرق شتَّى، وخاصَّة مع والدي واستغلَّتْ أبي لفعل ذلك. ولعدة سنوات ظلَلْت صامتةً لا أنكر عليها إلا القليل، ومع ذلك فهي تسخَط عليَّ وتنتَقِم مني بطرق عديدة، وتشوِّه صورتي أمام والدي والعائلة. وأخيرًا واجهتها، وأنكرت عليها فِعلها، وأفهمتها أن ذلك لمصلحتها، وأنني وزوجي لا نريد لها السوء؛ فمشكلتها ليست فقط معي ومع زوجي، فقد حرَّضَت والدي على جميع أخواتي، وعلى أخي، وأحدثت فتنةً بيننا وبين أبِينَا. شهدت أنا وإخوتي - للأسف الشديد - أنها تكذب وتختلق أمورًا لا أصل لها، وإذا أنكرنا عليها فِعلاً تقول بأنها لم تفعل، والكلام في هذا يطول. إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. والآن والدي يتهمني بأنني ظلمتها، وأنه من العقوق، ويجب عليَّ أن أجد في طلب المغفرة منها وأن أخفض لها جناح الذل، وأني في خطر إن لم تسمح لي وترض عني.

ايّاك أن تشعرها بعجزها فمهما بلغت الأم من العمر إياك أن تشعرها أنها أصبحت كذلك، بل أشعرها على الدوام أنّها ما زالت صبية جميلة في نظرك، وأنه مهما بلغ بها العمر فإنّها ستظل المرأة الأجمل والأهم في حياتك وحياة إخوتك، وكن دائم الود معها، وتلطف معها بالحديث، فالأم تتزعزع ثقتها بنفسها إن شعرت أنها أصبحت غير جميلة أو بها أي أمر قد يجعلها تغيب عن أسرتها. اطلب منها أكلاتك المفضلة فأكثر ما يشعر الأم بالحب والحنان والاهتمام أن يطلب منها ابنها أن تطهو له الوجبات التي كانت تعدّها له منذ الصغر، حتى لو أصبحت له عائلة وانفصل عنها، وأصبح خارج نطاق أسرتها، لأن ذلك يشعرها أنّها ما زالت محط اهتمام من الأبناء الذين يرجون رضا الأم على الدوام. كيف أتعامل مع أمي فقد فقدت صوابي؟. لا تتشاجر مع إخوتك أمامها فمهما بلغ بك العمر، وشعرت أنك أصبحت كبيراً على إخوتك، فلا تتشاجر معهم أمام الأم، وأشعرها بأنك تحترم وجودها ولا تستغل ضعفها وتحاول إثارة المشكلات، لأن ذلك قد يمرضها، ويتعبها حقاً. قبّلها وقت خروجك فأشعر أمك على الدوام أنه لا خير لك في الدنيا بدونها وابقَ على تواصل معها مهما كبرت، وكن على يقين أن دعوةً واحدة من الأم كفيلةً بأن تنير لك دربك، وهذا ما عرفناه من رسول الله صل الله عليه وسلم.

اختار - عليه السَّلام - أفضل الأساليب وأرقَّها وألينها: "يَا أَبَتِ"؛ حتَّى يستميل قلب والده ويدعوه بالحسنى وبالودِّ والاحترام؛ ولكن والده أبى ورفض، فما كان من إبراهيم - عليه السلام - إلاَّ أن قال: { سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}، وهذا ما يجب أن تفعلَه أنت أيضًا؛ اقتِداء بالخليل - عليه السلام. ادعُ الله في جوف الليل عند الثُّلُث الآخير، بقلب صادق وخاضع، بأن يرزُقَ والدتَك وأخواتِك الهداية والتقوى والصَّلاح والسداد، ولا تنس أبدًا: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]. صحيح أنَّ الأمر ليس سهلاً، وقد يكون صعبًا عليْك؛ ولكن تذكَّر قوله تعالى: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2]. وتذكَّر دائمًا أنَّ الإنسان يركِّز في نظرته للأشْخاص على الأمور الخاطئة التي يعملونها، والأخلاق السيِّئة التي يتَّصفون بها، وينسون لاشعوريًّا تذكُّر أو رؤية الجوانب الجيِّدة والإيجابيَّة في الإنسان العاصي أو السيئ؛ ولكن عليك أن تعرف أنَّ الخطأ ليس متأصِّلاً، وأنَّ أخواتِك ووالدتك لسْنَ شياطينَ؛ ولكنَّهنَّ بشر، يخطئون ويصيبون، وعليْك أن تنمي جوانب الخير، وتثني على الأمور الحسنة؛ حتَّى تحارب الشَّرَّ الذي يفعلنَه، فكلَّما نما وكبر الخير في النفوس ماتت نوازع الشَّر.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]