موقع شاهد فور

عم يتساءلون عن النبأ العظيم مكتوبة

May 20, 2024

وأما التساؤل الصوري فأن يسأل بعضهم بعضا عن هذا الخبر سؤال تهكم واستهزاء ، فيقول أحدهم: هل بلغك خبر البعث ؟ ويقول له الآخر: هل سمعت ما [ ص: 9] قال ؟ فإطلاق لفظ التساؤل حقيقي; لأنه موضوع لمثل تلك المساءلة ، وقصدهم منه غير حقيقي بل تهكمي. والاستفهام بما في قوله: عم يتساءلون ليس استفهاما حقيقيا ، بل هو مستعمل في التشويق إلى تلقي الخبر نحو قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. عم يتساءلون عن النبأ العظيم مكتوبة. والموجه إليه الاستفهام من قبيل خطاب غير المعين. وضمير ( يتساءلون) يجوز أن يكون ضمير جماعة الغائبين مرادا به المشركون ولم يسبق لهم ذكر في هذا الكلام ، ولكن ذكرهم متكرر في القرآن فصاروا معروفين بالقصد من بعض ضمائره وإشاراته المبهمة ، كالضمير في قوله تعالى: حتى توارت بالحجاب ( يعني: الشمس) ، كلا إذا بلغت التراقي ( يعني: الروح) ، فإن جعلت الكلام من باب الالتفات ، فالضمير ضمير جماعة المخاطبين. ولما كان الاستفهام مستعملا في غير طلب الفهم حسن تعقيبه بالجواب عنه بقوله: عن النبإ العظيم فجوابه مستعمل بيانا لما أريد بالاستفهام من الإجمال لقصد التفخيم ؛ فبين جانب التفخيم ، ونظيره قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم فكأنه قيل: هم يتساءلون عن النبأ العظيم ، ومنه قول حسان بن ثابت: لمن الدار أقفرت بمعان بين أعلى اليرموك والصمان ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر وحق تقلب الأزمان والنبأ: الخبر ، قيل: مطلقا فيكون مرادفا للفظ الخبر ، وهو الذي جرى عليه إطلاق القاموس والصحاح واللسان.

[ ص: 406] بسم الله الرحمن الرحيم. سورة النبأ. قوله تعالى: عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون عم أصله عن ما أدغمت النون في الميم ، ثم حذف ألف الميم ، لدخول حرف الجر عليه; للفرق بين ما الاستفهامية وما الموصولة. والمعنى: عن أي شيء يتساءلون ، وقد يفصل حرف الجر عن ما ، فلا يحذف الألف. وأنشد الزمخشري قول حسان - رضي الله عنه -: على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد وقال في الكشاف: وعن ابن كثير أنه قرأ " عمه " بهاء السكت ، ثم وجهها بقوله: إما أن يجرى الوصل مجرى الوقف ، وإما أن يقف ويبتدئ: يتساءلون عن النبإ العظيم ، على أن يضمر يتساءلون; لأن ما بعده يفسره. وقال القرطبي: قوله: عن النبإ العظيم: ليس متعلقا بـ: يتساءلون المذكور في التلاوة ، ولكن يقدر فعل آخر عم يتساءلون عن النبإ العظيم ، وإلا لأعيد الاستفهام: أعن النبأ العظيم ؟ وعلى كل ، فإن ما تساءلوا عنه أبهم أولا ، ثم بين بعده بأنهم: يتساءلون عن النبإ العظيم ، ولكن بقي بيان هذا النبإ العظيم ما هو ؟. فقيل: هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعثته لهم. وقيل: في القرآن الذي أنزل عليه يدعوهم به. وقيل في البعث بعد الموت.

وقال آخرون: عني به البعث. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ وهو البعث بعد الموت. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ قال: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ قال: يوم القيامة؛ قال: قالوا هذا اليوم الذي تزعمون أنا نحيا فيه وآباؤنا، قال: فهم فيه مختلفون، لا يؤمنون به، فقال الله: بل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون: يوم القيامة لا يؤمنون به. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: عمّ يتحدّث به قريش في القرآن، ثم أجاب فصارت عمّ كأنها في معنى: لأيّ شيء يتساءلون عن القرآن، ثم أخبر فقال: ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ بين مصدق ومكذِّب، فذلك إخلافهم، وقوله: ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ يقول تعالى ذكره: الذي صاروا هم فيه مختلفون فريقين: فريق به مصدّق، وفريق به مكذّب. يقول تعالى ذكره: فتساؤلهم بينهم في النبأ الذي هذه صفته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

وقال الراغب: " النبأ الخبر ذو الفائدة العظيمة ، يحصل به علم أو غلبة ظن ، ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ويكون صادقا " اهـ. وهذا فرق حسن ، ولا أحسب البلغاء جروا إلا على نحو ما قال الراغب ، فلا يقال للخبر عن الأمور المعتادة نبأ ، وذلك ما تدل عليه موارد استعمال لفظ النبأ في كلام البلغاء ، وأحسب أن الذين أطلقوا مرادفة النبأ للخبر راعوا ما يقع في بعض كلام الناس من [ ص: 10] تسامح بإطلاق النبأ بمعنى مطلق الخبر لضرب من التأويل أو المجاز المرسل بالإطلاق والتقييد ، فكثر ذلك في الكلام كثرة عسر معها تحديد مواقع الكلمتين ، ولكن أبلغ الكلام لا يليق تخريجه إلا على أدق مواقع الاستعمال. وتقدم عند قوله تعالى: ولقد جاءك من نبأ المرسلين في سورة الأنعام وقوله: قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون. والعظيم حقيقته: كبير الجسم ويستعار للأمر المهم; لأن أهمية المعنى تتخيل بكبر الجسم في أنها تقع عند مدكرها ، كمرأى الجسم الكبير في مرأى العين ، وشاعت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة. ووصف النبأ بالعظيم هنا زيادة في التنويه به; لأن كونه واردا من عالم الغيب زاده عظم أوصاف وأهوال ، فوصف النبأ بالعظيم باعتبار ما وصف فيه من أحوال البعث فيما نزل من آيات القرآن قبل هذا ، ونظيره قوله تعالى: قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون في سورة " ص ".

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]