وما بال هذا لم يبلل المطر تـمْره! وما كانﷺ ليتهم أحدا حتى يتأكد من خطئه، فأدخل يده في التمْر فوجده مبلولا من الداخل، فقالﷺ: «ما هذا يا صاحب التمر؟ ما هذا أيها التاجر؟ فقال التاجر: أصابه مطر يا رسول الله، فوضعت أسفله على أعلاه حتى يباع، فأنكر عليهﷺ هذا وأمره أن يدعه كما هو، لا يغطي عيبه، ولا يبع رديئه بجيده، وتبرأﷺ ممن يفعل ذلك فقالﷺ: «أفلا جعلته فوقه كي يراه الناس من غشنا فليس منا».
والخلاصة ان الصدق والأمانة من أكبر العوامل التي تجلب الثقة والبركة في البيع والشراء، وأن الغش والخداع من أكبر العوامل التي تهدر الثقة وتمحق البركة وتؤذن بخراب العمران، ومن أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والوزن: «إنكم قد وليتهم أمراً فيه هَلَكت الأمم السالفة قبلكم» رواه الترمذي. صحة حديث من غشنا فليس منا. والصورة الثانية من صور الغش والخداع: تتعلق ببيت الزوجية، وبيت الزوجية أجل وأشرف من أن يبنى على الغش والخداع، وإذا كان الإسلام قد حرم كتمان العيوب في السلع فكيف بكتمان العيوب في النكاح؟ إن كتمان العيوب في النكاح سواء كانت شكلية أو جوهرية يعد تدليساً وعدوانا على حق الطرف الآخر في أن يظفر بالشريك الذي يملأ نفسه، ويشبع عواطفه، ويرضي أحاسيسه ومشاعره. ومن أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية بن أبي سفيان أو أبي جهم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه (أي أنه كثير الأسفار أو كثير الضرب للنساء) وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» رواه مسلم. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أيما امرأة غُرِّ بها رَجل، بها جنون، أو جذام، أو برص، فلها المهر بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره» رواه مالك في الموطأ وعبدالرزاق في مصنفه.