روي عن وهب بن منبه أنه قال: من أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر ، والإصغاء بالسمع ، وحضور العقل ، والعزم على العمل ، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى ؛ وهو أن يكف العبد جوارحه ، ولا يشغلها. فيشتغل قلبه عما يسمع ، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى ، ويحصر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه ، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة طه - القول في تأويل قوله تعالى "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "- الجزء رقم18. وقال سفيان بن عيينة أول العلم الاستماع ، ثم الفهم ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر ؛ فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يحب ، وجعل له في قلبه نورا. الطبرى: القول في تأويل قوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة القرّاء الذين قرءوا " وأنَّا " بتشديد النون، و (أنا) بفتح الألف من " أنا " ردّا على: نودي يا موسى، كأن معنى الكلام عندهم: نودي يا موسى إني أنا ربك، وأنا اخترتك، وبهذه القراءة قرأ ذلك عامَّة قرّاء الكوفة. وأما عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فقرءوه: (وأنا اخْتَرْتُكَ) بتخفيف النون على وجه الخبر من الله عن نفسه أنه اختاره.
قال: لأني لم يتواضع لي أحد تواضعك. وقوله: ( فاستمع لما يوحى) أي: اسمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك ﴿ تفسير القرطبي ﴾ قوله تعالى: وأنا اخترتك أي اصطفيتك للرسالة. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم والكسائي ( وأنا اخترتك). وقرأ حمزة ( وأنا اخترناك). والمعنى واحد إلا أن وأنا اخترتك هاهنا أولى من جهتين: إحداهما أنها أشبه بالخط ، والثانية أنها أولى بنسق الكلام ؛ لقوله - عز وجل -: يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك وعلى هذا النسق جرت المخاطبة ؛ قاله النحاس. قوله تعالى: فاستمع لما يوحى فيه مسألة واحدة: قال ابن عطية: وحدثني أبي - رحمه الله - قال: سمعت أبا الفضل الجوهري رحمه الله تعالى يقول: لما قيل لموسى صلوات الله وسلامه عليه: فاستمع لما يوحى وقف على حجر ، واستند إلى حجر ، ووضع يمينه على شماله ، وألقى ذقنه على صدره ، ووقف يستمع ، وكان كل لباسه صوفا. قلت: حسن الاستماع كما يجب قد مدح الله عليه فقال: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وذم على خلاف هذا الوصف فقال: نحن أعلم بما يستمعون به الآية. فمدح المنصت لاستماع كلامه مع حضور العقل ، وأمر عباده بذلك أدبا لهم ، فقال: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وقال هاهنا: فاستمع لما يوحى لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى.