والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه.
ولأن الذي يقول بجواز صرفها في وجوه الخير عموماً يستدل بقوله سبحانه: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:٦٠] ، وهذا اللفظ إذا أُطلق في كتاب الله عز وجل فالمراد به في الأصل الجهاد في سبيل الله عز وجل، وهذا هو الذي وردت به نصوص الكتاب والسنة، ويعرف ذلك بالاستقراء والتتبع، ولذلك كان جماهير أهل العلم من الأئمة الأربعة وأتباعهم على أن الزكاة تختص بهذه الأصناف الثمانية، ولا تُصرف في مطلق وجوه الخير. وذهب بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، وبعض المتأخرين إلى ترجيح القول الذي يقول بصرفها في وجوه الخير عموماً، وهذا القول مرجوح؛ وذلك أنه يستند إلى قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:٦٠] ، وقد بيّنا أن قوله: (في سبيل الله) إذا أُطلق في الكتاب والسنة فالمراد به الجهاد، ومما يدل على ضعف حمل: (في سبيل الله) على العموم أن قوله: (وفي سبيل الله) يحتمل معنيين: إما خاص بمن ذكرنا وهم المجاهدون، وإما عام. فإذا قيل بعمومه، فإن العرب لا تعرف إدخال العام بين خاصَّين، وإنما تقدم العام وتعطف الخاص عليه، أو تقدم الخاص لشرفه وتعطف العام عليه، فتقول: دخل محمدٌ والناس، فتقدم الخاص وهو محمد لشرفه وفضله، ثم تقول: والناس وهو العام، أو تقول: دخل الناس ومحمدٌ، للدلالة على شرفه وفضله، كقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:٤] فخصَّص بعد تعميم، وهذا هو أسلوب القرآن وأسلوب العرب.
الخطبةُ الأولى: الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَمَهُ البَيَانَ، والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى، إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى. أريد زوجي في الجنة بدون الحور العين. أَمَا بَعْدُ: فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الحورِ العينِ، فلأهل ِ الجنات فيها زوجات، قال -تعالى-: ( كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) [الدخان:54]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَب " رواه مسلم. والحوراءُ: هيَ المرأةُ البيضاءُ، والعيناءُ هيَ المرأةُ واسعةُ العين،ِ شديدةُ بياضِها، شديدة ُ سوادِها، فيهنَّ مِنَ الحُسْن ِ والجمال مالا يعلَمُهُ إلا الله؛ قَالَ -تعالى-: ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) [الرحمن:70]، وردَ في الأثر: ِ خيّراتُ الأخلاقِ، حِسَانُ الوجوه. قالَ بنُ القيم -رحمه الله-: فِيهِنَّ حُوْرٌ قَاصِرَاتُ الْطَّرْف ِ خَيـ *** ــراتٌ حِسانٌ هُنَّ خَيْرُ حِسانِ خيْراتُ أخلاقٍ حِسانٌ أوجُهاً *** فالحُسْنُ والإحسانُ مُتَّفِقانِ والمرأة في الجنَّه كأنَّها في الصفاء والرِّقَة الغشاوة ُ التي تأتي على ظهر ِ البيض ِ مما يلي القشرَ إذا سُلِقَ وكُسِرَ، سواء مِنَ الحور ِ في الأخرى، أو مِنْ المؤمنات ِفي الدنيا، قَالَ -تعالى-: ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) [ الصافات:48-49].
أَمَا بَعْدُ: قَالَ -تعالى-: ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ) [الصافات:61]. وَعَنْ أسامةَ بن ِ زيد ٍ -رَضِيَ الله ُ عَنْهُ- أنَّ رسولَ الله ِ -صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- قالَ: " ألا مُشَمِّرٌ إلى الجنَّةِ؟! فإنَّ الجنَّة َ لا حظرَ لها، هيَ -وربِّ الكعبةِ! - نورٌ يتلألأ، ورَيْحَانَة ٌ تَهتزُّ، وقَصْرٌ مشِيدٌ، وثمرة ٌ نضيجة ،ٌ وزوجة ٌ حسناءُ جميلة، ٌ وحُلَلٌ كثيرة، ٌ في دار ٍ سليمةٍ، وفاكهةٍ، وخَضْرَةٍ، وحَبْرَةٍ، ونَعْمَةٍ، ومَحَلَةٍ عَالِيةٍ بَهِّيةٍ "، قالوا: نعمْ يا رسولَ اللهِ! الحور العين في القرآن. نحنُ المُشَمِّرُون. فقالَ: " قولُوا: إنْ شاءَ الله "، فقالَ القومُ: إنْ شاءَ الله. رواهُ البزارُ وابنُ ماجة. فمنْ رَغِبَ في الحوراء فليقدمْ مهرَ الحسناء.