موقع شاهد فور

القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الشرح - الآية 7

June 28, 2024

ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قفوله من إحدى غزواته: « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » فالمقصود بالأمر هو { فانصب}. وأما قوله: { فإذا فرغت} فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعمللٍ آخر في تقرير الدين ونفع الأمة. وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال. ومثله قول القائل: ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبْتها أخرى. واختلفت أقوال المفسرين من السلف في تعيين المفروغ منه ، وإنما هو اختلاف في الأمثلة فحذفُ المتعلِق هنا لقصد العموم وهو عموم عرفي لنوع من الأعمال التي دل عليها السياق ليشمل كل متعلق عمله مما هو مهم كما علمت وهو أعلم بتقديم بعض الأعمال على بعض إذا لم يمكن اجتماع كثير منها بقدر الإِمكان كما أقر الله بأداء الصلاة مع الشغل بالجهاد بقوله: { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك إلى قوله: كتاباً موقوتاً} في سورة النساء ( 102 ، 103). فاذا فرغت فانصب والى ربک فارغب. وهذا الحكم ينسحب على كل عمل ممكن من أعماله الخاصة به مثل قيام الليل والجهاد عند تقوي المسلمين وتدبير أمور الأمة. وتقديم فإذا فرغت} على { فانصب} للاهتمام بتعليق العمل بوقت الفراغ من غيره لتتعاقب الأعمال. وهذه الآية من جوامع الكلم القرآنية لما احتوت عليه من كثرة المعاني.

  1. كيف تتعامل مع ذنبك - (8) فرغت فانصب أو اذبح فراغك! - منتدى قصة الإسلام

كيف تتعامل مع ذنبك - (8) فرغت فانصب أو اذبح فراغك! - منتدى قصة الإسلام

وربما يكون المقصود كل هذا وغيره، فإن الآية أطلقت ولم تحدد، أي إذا فرغت من أمر كنت تعمله فانتقل إلى عمل آخر مما يعود عليك بالنفع في أمر دنياك وآخرتك، والمقصود أن يكون مشتغلاً بطاعة الله مبلغاً للرسالة، ينتقل من عبادة إلى عبادة، من طاعة إلى طاعة، من عمل صالح إلى عمل صالح، بلا توقف، بلا انتظار، فالمسلم طالما في الحياة فعليه أن يجد ويعمل دائما في شيء يعود عليك نفعه في الدنيا والدين، ولا يبقى فارغا أبدا. فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.. قاعدة تربوية: وهذه قاعدة من قواعد تربية النفس، وتوجيه علاقتها مع الله عز وجل: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح:7، 8]. وإذا كان المسلم مطالبا بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخاطبا بما يخاطب به، فهو أيضا مطالب في حال الفراغ بالنصب.. أي إذا انتهى من طاعة أو عملٍ ما أن ينصب ويبدأ في عمل أو طاعة أخرى، وأن يرغب إلى ربه في الدعاء والعبادة، والتضرع والتبتل، لأن حياة المسلم الحق كلها لله، فليس فيها مجال لسفاسف الأمور. كيف تتعامل مع ذنبك - (8) فرغت فانصب أو اذبح فراغك! - منتدى قصة الإسلام. بل إن اللهو الذي تبيحه الشريعة لأصناف من الناس، أو في بعض الأوقات كالأعياد والأفراح؛ من أعظم مقاصده أن يستجم الإنسان ـ والاستجمام للجد مرة ثانيةً من الشغل النافع ـ وأن يعيش العبودية لله في جميع أحواله، فهو يعيشها في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وفي الحضر والسفر، وفي الضحك والبكاء، ليتمثل حقاً قول الله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].

{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب} بهاتين الآيتين ختم الله تبارك وتعالى سورة الشرح.. وسورة الشرح ـ كما يقول صاحب التحرير والتنوير: "احتوت على ذكرِ عنايةِ الله تعالى برسوله بلطف الله له، وإزالةِ الغمّ والحرجِ عنه، وتيسير ما عسر عليه، وتشريفِ قدره؛ لِيُنَفِّسَ عنه؛ فمضمونُها شبيهٌ بأنه حجةٌ على مضمون سورة الضحى؛ تثبيتاً له بتذكيره سالف عنايته به، وإنارة سبيل الحق، وترفيع الدرجة؛ ليعلم أن الذي ابتدأه بنعمته ما كان لِيقطع عنه فضله، وكان ذلك بطريقة التقرير بماض يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم". ولكن ما المقصود بالنصب؟ وما هو الشيء الذي يتفرغ منه؟ وكيف يرغب إلى الله تعالى؟ وما الذي يمكن أن يستفيده المسلم من هذا الأمر، خصوصا ونحن مطالبون بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل أمر له هو أمر لأمته ما لم يأت مخصص يخصصه برسول الله؟ لقد اختلف العلماء في هذا المعنى وذهبوا فيه مذاهب.. فاذا فرغت فانصب والى ربك فارغب. غير أنه لابد لمعرفة مقصود آخر السورة من معرفة معاني أوائلها. حيث يمتن الله تعالى في أوائل السورة على نبيه بأن شرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.. لأن الاستفهام إذا دخل على النفي قرره.. أي شرحنا لك صدرك.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]