وقيل: إنما قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - تأليف الرجل ، ثقة بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان; كما قال: " إني لأصل الرجل وغيره أحب إلي منه ، مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه ". الخامسة: قال ابن زيد: إنما عبس النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن أم مكتوم وأعرض عنه; لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه ، فدفعه ابن أم مكتوم ، وأبى إلا أن يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يعلمه ، فكان في هذا نوع جفاء منه. ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: عبس وتولى بلفظ الإخبار عن الغائب ، تعظيما له ولم يقل: عبست وتوليت. ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيسا له فقال: وما يدريك أي يعلمك لعله يعني ابن أم مكتوم يزكى بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين ، بأن يزداد طهارة في دينه ، وزوال ظلمة الجهل عنه. وقيل: الضمير في لعله للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر ، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. وقرأ الحسن ( آأن جاءه الأعمى) بالمد على الاستفهام ف " أن " متعلقة بفعل محذوف دل عليه عبس وتولى ، التقدير: آأن جاءه أعرض عنه وتولى ؟ فيوقف على هذه القراءة على وتولى ، ولا يوقف عليه على قراءة الخبر ، وهي قراءة العامة.
وأم مكتوم كنية أمه ، واسها عاتكة بنت عبد الله المخزومية ، واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة أكثر من مرة.. وهو من المهاجرين الأولين. قيل: مات بالقادسية شهيدا نوح فتح المدائن أيام عمر بن الخطاب - رضى الله عنه.. ولفظ " عبس " - من باب ضرب - مأخوذ من العبوس ، وهو تقطيب الوجه ، وتغير هيئته مما يدل على الغضب. وقوله ( وتولى) مأخوذ من التولى وأصله تحول الإِنسان عن مكانه الذى هو فيه إلى مكان آخر ، والمراد به هنا الإِعراض عن السائل وعدم الإِقبال عليه. وحذف متعلق التولى ، لمعرفة ذلك من سياق الآيات ، إذ من المعروف أن إعراضه صلى الله عليه وسلم كان عن عبد الله ابن أم مكتوم الذى قاطعه خلال حديثه مع بعض زعماء قريش. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله عز وجل ( عبس وتولى) ﴿ تفسير القرطبي ﴾ سورة عبسمكية في قول الجميع ، وهي إحدى وأربعون آيةبسم الله الرحمن الرحيمعبس وتولىفيه مسائل:الأولى: قوله تعالى: عبس أي كلح بوجهه; يقال: عبس وبسر.