يقول وليم شكسبير: "لا ميراث يتركه الإنسان خلفه أهم من الصدق والنزاهة. " فالصدق للشجعان، الذين يمكنهم تحمّل عواقب الصدق، والتعامل بشفافية مع الحقائق، مواجهتها بقلب لا يعرف الخوف، الصدق للإنسان الأمين مع نفسه ومع الآخرين، أما هؤلاء الذين يرتدون رداء الحق ويفعلون أفعال الباطل فهم كما أخبرنا عنهم ربّ العزّة في كتابه العزيز حين قال: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. خطبة عن الصدقة. " وقال عنهم: "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ. " خطبة عن الصدق مع الله سبحان ربي ربّ الكون وتعالى علوًا كبيرًا، له المثل الأعلى في السماوات والأرض، الذي جعل الصادقين في عليين، سبحان ربي المطلع على القلوب، الذي يحاسب بالنوايا، ويعلم ما نخفي وما نعلن، ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء، سبحان ربي باسط الرزق ومحيي الأرض بعد موتها وإليه النشور.
والصبر والإيمان قرينين لا ينفكان، وصفه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله: (ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له)، فحسن الظن بالله والإيمان بقرب رحمة الله لا يتحقق إلا بالصبر. خطبة عن الصدق - موضوع. فما شدة يومًا وإن جلَّ خَطبها بنازلة إلَّا سيتبعها يسر وإن عسرت يومًا على المرء حاجة وضاقت عليه كان مفتاحها الصبر أقول ما سمعتم، واستغفروا الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله الذي جعل لنا من الصبر عبادة، وأحيا قلوبنا بالطاعة، وجعل محمدًا صلى الله عليه وسلم قدوة وأمرنا باتباعه، أما بعد: مراتب الصبر: الصبر مرتبط بالإيمان والإيمان مراتب والصبر كذلك، فلا يخلو المرء من أربع منازل ينزل فيها؛ كما قال ابن القيم: ( إحداها: مرتبة الكمال، وهي مرتبة أولي العزائم، وهي الصبر لله وبالله، فيكون في صبره مبتغيًا وجه الله صابرًا به، متبرئًا من حوله وقوته وهذا المؤمن القوي. الثانية: ألا يكون فيه لا هذا ولا هذا، فهو أخس المراتب وأردأ الخلق، وهو جدير بكل خذلان وبكل حرمان. الثالثة: مرتبة من فيه صبر بالله، وهو مستعين متوكل على حوله وقوته، متبرئ من حوله هو وقوته، ولكن صبره ليس لله وهذا حال الفاجر.
إن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة، رسالة دائمة على ممر الزمان ويستحيل عقلاً وواقعاً تواتر العمل بها واستمرائها من غير مقومات راسخة ودعائم متينة من الصدق الذي لا تحريف فيه ولا كذب في نقل الخبر وبيان الأثر. فالثبات والاستمرارية يتطلبان ضرورة وجود العصمة في نقل الأخبار حتى تتلقاه الأمة، ويستقر تعلقه في الذمّة. ولقد كانت هيئة النبي صلى الله عليه وسلم وقسماته النيرة شاهداً آخر على مبلغ مكانته من الصدق، في الجد والهزل، والقول والفعل، وأنه الصادق المصدق، كما ثبت من الحبر عبدالله بن سلام (رضي الله عنه) الذي ما إن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حتى استيقن صدقه وعرف أن وجهه ليس بكذّاب، وأعلن إسلامه وتبرأ من كيد اليهود وتكذيبها وعنادها. وكانت شهادة زوجه خديجة (رضي الله عنها) في أوائل نبوته وبدء نزول الوحي عليه بالصدق المعهود والمروءة التامة من دلائل اصطفاء الله له، وبشائر إرادة الخير له، وحفظه من كل سوء، فقد روى البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لِخَدِيجَةَ « أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي ، لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى ». فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. خطبة عن (خلق الصدق ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. قَالَتْ خَدِيجَةُ كَلاَّ أَبْشِرْ ، فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) فهذه شهادة من خبر أخلاقه، وسبر أحواله، وعرف سيرته ولا ينبئك مثل خبير.