وقد تكون دلالته من باب القياس ، فإذا نص الشارع على حكم في شيء لمعنى من المعاني ، وكان ذلك المعنى موجودا في غيره ، فإنه يتعدى الحكم إلى كل ما وجد في ذلك المعنى عند جمهور العلماء ، وهو من باب العدل والميزان الذي أنزله الله ، وأمر بالاعتبار به ، فهذا كله مما يعرف به دلالة النصوص على التحليل والتحريم. فأما ما انتفى فيه ذلك كله ، فهنا يستدل بعدم ذكره بإيجاب أو تحريم على أنه معفو عنه " انتهى، من " جامع العلوم والحكم " (2 / 164 - 165). وبسبب تنوع دلالة النصوص على الأحكام وخفاء بعضها ، وبسبب تفاوت الناس في الأفهام وسعة العلم ؛ بسب كل هذا وغيره يقع الخلاف بين أهل العلم في أنواع من المسائل ، فتجدهم في الحكم على شيء ما يرى بعضهم أن النصوص قد دلت على حكمه، ويرى البعض الآخر أنه مما سكت عنه الوحي فهو من العفو. " فإن جهات دلالات الأقوال متسعة جدا ، يتفاوت الناس في إدراكها ، وفهم وجوه الكلام بحسب منح الحق سبحانه ومواهبه ، ثم قد يعرفها الرجل من حيث العموم ، ولا يتفطن لكون هذا المعنى داخلا في ذلك العام. ثم قد يتفطن له تارة ثم ينساه بعد ذلك. هل التشقير حرام - موقع مصادر. وهذا باب واسع جدا لا يحيط به إلا الله ، وقد يغلط الرجل ، فيفهم من الكلام ما لا تحتمله اللغة العربية التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بها... " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (20 / 245).
انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 535).. ثانيا: لكن مما يجدر الانتباه إليه ؛ هو أنّ دلالة نصوص الوحي على تحريم الأشياء ليست منحصرة فقط في ظواهر ألفاظ هذه النصوص ، بل من المعلوم والمقرر في " أصول الفقه " أن دلالات النصوص على الأحكام متعددة فقد تكون عن طريق ظاهر النص ، وقد تكون عن طريق العموم ، وقد تكون من طريق خفي كدلالة الموافقة والمخالفة، ونحو ذلك من وجوه الدلالة. هل تشقير الحواجب حرام ؟ - أفضل اجابة. ثم قد يقرر أهل العلم حكم الشيء قياسا، وإلحاقا له بنظيره، والقياس من الأدلة الشرعية المقررة عند جماهير أهل العلم، وعوامهم. قال ابن رجب رحمه الله تعالى: " ولكن مما ينبغي أن يعلم: أن ذكر الشيء بالتحريم والتحليل مما قد يخفى فهمه من نصوص الكتاب والسنة ، فإن دلالة هذه النصوص قد تكون بطريق النص والتصريح ، وقد تكون بطريق العموم والشمول ، وقد تكون دلالته بطريق الفحوى والتنبيه ، كما في قوله تعالى: ( فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) ، فإن دخول ما هو أعظم من التأفيف من أنواع الأذى يكون بطريق الأولى ، ويسمى ذلك مفهوم الموافقة. وقد تكون دلالته بطريق مفهوم المخالفة ، كقوله: ( في الغنم السائمة الزكاة)، فإنه يدل بمفهومه على أنه لا زكاة في غير السائمة ، وقد أخذ الأكثرون بذلك ، واعتبروا مفهوم المخالفة ، وجعلوه حجة.
ثالثا: هذا الذي قدمناه في تأصيل الباب، ينطبق على مسألة " تشقير الحواجب " ؛ فهي من المسائل المستجدة التي هي مجال لاجتهاد أهل العلم للبحث: هل تتناولها نصوص الوحي وتدل عليها بطريق ما من طرق الدلالات ؛ أو هي داخلة في نطاق الأشياء التي سكت عنها الشرع ، فيكون الأصل فيها الإباحة ؟ فأهل العلم الذين يرون تحريم " تشقير الحواجب " يعتقدون بأنه يتناوله أحد نصين: النص الأول: حديث النهي عن النمص ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. هل تشقير الحواجب حرام عليك. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ، أَمَا قَرَأْتِ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ؟ قَالَتْ: بَلَى.