وجاء في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: « الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ » رواه أحمد. مله ابراهيم عليه السلام كامله كرتون. يَعْنِي: «شَرِيعَةَ إِبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، لأَنَّه تحَنَّفَ عَن الأَدْيانِ، ومَالَ إِلَى الحَقِّ». وبهذا نعلم أن الحنيفية هي ملة إبراهيم عليه السلام، وأنها الميل عن الشرك إلى التوحيد ، والانقياد لله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، والولاء له سبحانه ولأتباع دينه، والبراءة من الشرك والمشركين، وهو ما فعله الخليل مع قومه، فجعله الله تعالى أسوة حسنة للحنفاء في كل زمان ومكان؛ كما قال تعالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]. والحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام ذُكرت في القرآن عشر مرات في مقامات عدة، قُرر بها التوحيد، ودحض بها التنديد، فذكرت في مقام مناظرة الخليل عليه السلام لعباد الكواكب؛ إذ ختم مناظرته بتقرير التوحيد، والبراءة من الشرك، فقال عليه السلام { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] ولذا أثنى الله تعالى عليه، وجعله أمة مع أنه واحد، ولكن لثباته على التوحيد، ودحضه الشرك { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120].
وختاماً نقول إن بعض هؤلاء المدعين بنوة إبراهيم قد يكون نسبهم، بحكم التسلسل الوراثي، متصلاً مع أبي الأنبياء إبراهيم أو أحد أبنائه وأحفاده، ولكنهم في واقعهم السلوكي يمثلون نموذجاً صارخاً للعقوق وشكلاً واضحاً من أشكال الحلق الفاسد المنحرف، وما هم في الحقيقة إلا نفر مارق فاسق يحاول تسويق هرطقات وترهات على شعوبهم المغلوبة على أمرها ليحققوا من خلال ذلك مآربهم الدنيئة وأغراضهم الخبيثة لتمكين الكفار من رقاب المسلمين. فاللهم رد كيدهم في نحورهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، وعجل الله لنا بفرجك ونصرك وبقيام دولة الخلافة الإسلامية التي فيها حكمك. إنك يا مولانا على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تمسكوا بالحنيفية السمحة التي بلغها أبونا إبراهيم عليه السلام، وتبعه سائر الأنبياء عليها، وجددها نبينا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وربوا عليها أولادكم؛ فإن الفوز الأكبر يوم القيامة معقود بها. الحمد لله رب العالمين؛ أنار الطريق للسالكين، وأقام حجته على العالمين، فاهتدى بهداه أهل اليقين ، وأعرض عنه أهل التكذيب، ويوم القيامة يجزى العباد بأعمالهم، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تفرد بالجلال والجمال والكمال، وتنزه عن الأشباه والأمثال والأنداد؛ فلا رب يعبد بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ جدد الله تعالى به الحنيفية إذ درست، وأزال به أوضار الوثنية حين انتشرت؛ فتمت به النعمة، وكملت به المنة، وأقيمت به الملة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأسلموا له وجوهكم، وأخلصوا له أعمالكم، وتمسكوا بدينكم؛ فإنه الحق من ربكم، وسبب نجاتكم في آخرتكم { وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61].
قال تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) وقال سبحانه على لسان إبراهيم عليه السلام: ( وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) وقال جل شأنه: ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً). ومن أوصافه عليه الصلاة والسلام أنه كان أمة بعني قدوة وإماماً ومهتدياً وداعياً إلى الخير يقتدى به فيه، وقانتاً لله أي خاشعاً له في جميع حالاته وتحركاته وسكناته، حنيفاً أي مخلصاً على بصيرة، شاكراً لأنعمه أي شكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله، أواهاً حليماً، وقد جاءت هذه الأوصاف الآيات التالية: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ). ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).
المزيد اللقاءات العلمية اقامة ورش العمل والحلقات الدراسية والندوات العملية واللقاءات الاستراتيجية توفير برامج للشركات والجهات التي تلبي حاجاتها وطموحاتها.
الدورات التدريبية مستقبلك الواعد يبدأ من تطويرك المهني والعلمي تاريخ الدورة: 2021-09-28 () يشتمل على أنواع الأسئلة الرياضية حسب معايير قياس ويركز على القياس والاستنتاج وحل المسائل.