وفي كتاب ابن المبارك في "الزهد" بسنده عن الزهري بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمكر، ولا تُعن ماكراً فإن الله يقول: [ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله] ". ومن كلام العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً!. فكم انهالت من خلال هذه الآية من آداب عمرانية، ومعجزات قرآنية، ومعجزات نبوية خفية"(5). أيها الممعن النظر: وإذا أردنا أن ننظر في آثار هذه القاعدة {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} على أهلها في الدنيا والآخرة، فلنتأمل هذه القصص التي ذكرها ربنا في كتابه عن أهل المكر بأوليائه والدعاة إلى سبيله، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره عن جملة من الأنبياء، نجد أمثلة أخرى لأتباعهم، نجاهم الله فيها من مكر الأعداء، ومن ذلك: ـ فهذا فرعون! تفسير: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله - مقال. كم كاد لبني إسرائيل لمّا آمنوا به! ومن جملتهم ذلك الرجل الذي عرف بـ "مؤمن آل فرعون" الذي قصّ الله خبره في سورة غافر! تأمل قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 45، 46] فنجى الله المؤمن، وأما فرعون وجنوده فهم الآن، بل منذ ماتوا وهم يعذبون وإلى يوم القيامة.
وفي قوله تعالى: "فهل ينظرون إلّا سنّة الأولين". معنى الآية هنا هو فهل ينتظر تلك المشركون الذين قد وجدوا في قوم سيدنا محمد إلّا أن تأتيهم سنّة الله وعقاب من مكر في الدنيا بشكل عاجل. فسوف يقع عليهم العقاب الأليم من الله سبحانه وتعالى، وذلك بسبب كفرهم وشركهم. فهنا سنّة الله أن لابد من وقوع العذاب على من يكذب رسل الله من الأمم السابقة. وبالتأكيد هذا سوف لا يتغير لأن الله تعالى إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ولا مردّ لقضائه سبحانه وتعالى. وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه. ابن كثير يوضح معنى تفسير: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله تطرق الإمام ابن كثير في تفسيره لتلك الآية إلى عدة جوانب وهي جاءت كالاتي: قال الإمام أنّ هؤلاء الكفار قد استكبروا ورفضوا اتباع آيات الله، كما قد مكروا بالناس. وذلك من خلال محاولة صدّهم عن اتباع سبيل الله القويم وهدى النبي. ولكنّ مكرهم هذا بالتأكيد سوف يعود ويرجع وبالًا عليهم دون غيرهم. كما قد جاءت في بعض الآثار عن رسول " صلى الله عليه وسلم" التي تُحذّر المسلمين من الوقوع في المكر السيئ. وذلك لأنه سوف يرجع ويعود بالخسارة على أهل وأصحاب هذا المكر في نهاية الأمر وسوف ينالوا سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
ولعلك تتأمل معي ـ أيها المستمع الكريم ـ في الحكمة من اتباع هذه القاعدة القرآنية بقوله: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} ليتبين أن هذه القاعدة القرآنية مطردة، وفي ذلك من التحذير من مكر السوء ما فيه، لمن تدبر ووعى، كما سبق في ذكر الآيات الكريمة الدالة على ذلك. وإذا تقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإنه يدخل في هذه الآية كل مكرٍ سيئ، يقول العلامة ابن عاشور: مبيناً علة اطّراد وثبات هذه القاعدة { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}: "لأن أمثال هذه المعاملات الضارة تؤول إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض، والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض، لأن الإنسان مدني بالطبع، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضاً تنكر بعضهم لبعض، وتبادروا الإضرار والإهلاك، ليفوز كل واحد بكيد الآخر قبل أن يقع فيه، فيفضي ذلك إلى فساد كبير في العالم، والله لا يحب الفساد، ولا ضر عبيده إلا حيث تأذن شرائعه بشيء. وكم في هذا العالم من نواميس مغفول عنها، وقد قال الله تعالى: {{C} {C}وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ{C} {C}} [البقرة:205].
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) وقوله (اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ) يقول: نفروا استكبارًا في الأرض وخدعة سيئة، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به. والمكر هاهنا: هو الشرك. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ) وهو الشرك. ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. وأضيف المكر إلى السيئ ، والسيئ من نعت المكر كما قيل إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ وقيل: إن ذلك في قراءة عبد الله (وَمَكْرًا سَيِّئًا) ، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيئ في المعنى من نعت المكر. وقرأ ذلك قراء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة محركة بالخفض. وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالا منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل، فسكَّنا الهمزة، كما قال الشاعر: إذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ (1) فسكن الباء لكثرة الحركات. والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية؛ لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم.
[خامساً: تقرير حقيقة وهي أن المكر السيئ عائد على أهله لا على غيرهم]. المكر السيئ عائد إلى أصحابه؛ قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]. [وفي هذا يرى أن ثلاثة على أهلها رواجع]. ثلاثة على أهلها رواجع، أي: راجعة عليهم. [ وهي: المكر السيئ والبغي والنكث]. معنى آية: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، بالشرح التفصيلي - سطور. والنكث نكث العهد، الذي يكون بينك وبينه عهد ثم ينكث، تعود العاقبة عليه بالخسران. [ لقوله تعالى: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس:23]، وقوله: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح:10]، وقوله: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]]. وصدق الله العظيم، أين نحن من هذا القرآن العظيم؟ هل نقرأه على الموتى يا عباد الله؟! لا يجتمع عليه المسلمون لا في بيت ولا في مسجد، فكيف يعلمون؟ وكيف يعرفون؟ [قال الشيخ في النهر غفر الله لنا وله ولوالدينا أجمعين: روي أن كعباً قال لـ ابن عباس: إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس: فإني وجدت في القرآن ذلك قال: وأين؟ قال اقرأ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]]. ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً.
هذا الحديث من أوائل أحاديث القدسية عن الرزق. من أفرغ همه إلى تعالى أعانه عليه وفرج كربته. ينبغي على المسلم التضرع والتذلل لله تعالى أثناء الدعاء، واللجوء إليه في تدبير أمره كله عاجلاً غير آجلاً. من سعى لطلب الرزق دون معونة الله تعالى لم يجني غير الكد والشقاء. يبين الحديث فضل العبادة وأثرها على السلم في تحصيل الرزق الكثير. الحديث الثاني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ وكَّلَ في الرَّحِمِ مَلَكًا، فيَقولُ: يا رَبِّ نُطْفَةٌ، يا رَبِّ عَلَقَةٌ، يا رَبِّ مُضْغَةٌ، فإذا أرادَ أنْ يَخْلُقَها قالَ: يا رَبِّ أذَكَرٌ، يا رَبِّ أُنْثَى، يا رَبِّ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَما الرِّزْقُ، فَما الأجَلُ، فيُكْتَبُ كَذلكَ في بَطْنِ أُمِّهِ يعد هذا الحديث من ضمن أحاديث قدسية عن الرزق حيث وضح بداية نشأة الإنسان من النطفة ثم العلقة ثم مضغة حتى يخرج الطفل من بطن أمه، لم يقصد الرسول في هذا الحديث إيضاح كيفية الخلق. وإنما يبين إبداع الخالق في تكوين الجنين وإيصال الزرق له أليس بمن فعل كل هذا قادرًا على أن يرزقك من خير السموات والأراضي السبع. وردت كثير من المفردات داخل الحديث الشريف منها،" نطفة" وهي ماء الزوجين التي يتكون منها الجنين.
(البخاري ومسلم) روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، قال: وعرشه على الماء))؛ (مسلم حديث 2653). الرزق بالمال تكفل الله بالرزق أدعية للرزق كان هذا ختام موضوعنا حول أحاديث عن الرزق من السنة النبوية، قدمنا خلال هذه المقالة بعض الأحاديث النبوية الشريفة من كتب السنة والتي تدلنا دلالة قاطعة على أن الرزق مكفول للعبد قبل خلقه، فعلى العبد ألا يأتي بالرزق من حرام، فرزقك آتيك آتيك، فلمَ تطلبه من حرام، فعلى المسلم أن يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره وأن يعمل العمل الذي يوصله إلى ما يريد من رزق الله سبحانه وتعالى، ورب العالمين ييسر له الأسباب بإذنه ورحمته، وعلى المسلم أن يجتهد في طلب الرزق الحلال حتى ييسر الله تعالى له أسباب ما يطلب، وكل شيء عند الله بقدر معلوم سبحانه وتعالى.
كما ذكرت أم سلمة الطريقة الصحيحة لهذا الدعاء وهو عقب الصلاة مباشرة. المقصود بالعمل النافع داخل هذا الحديث هو العلم الذي يفيد صاحبه وغيره ويكون له تأثير جيد على من حوله. والمقصود الرزق الطيب هو الرزق الحلال، أما عن معنى العمل متقبلاً وهو صيغة دعاء. وتضرع من الرسول صلى الله عليه وسلم لقبول عمله. الاستفادة من نص الحديث يمكن عرض ما يستفاد من الحديث من خلال النقاط الآتية: في هذا الحديث يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم طريقة الدعاء الصحيحة لطلب الرزق. ذكرت أمر سلمة وقت هذا الدعاء وهو عقب صلاة الصبح. هذا الدعاء غير مخصص لوقت معين وأنما يمكنك الدعاء به في أي وقت. صيغة الدعاء جامعة لمواقع الخير من العمل الصالح والرزق الوفير. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. يبن هذا الحديث فضل صلة الرحم وعظمها حيث تعتبر وسيلة من وسائل كسب الرزق والبركة في حياة الإنسان. كما وردت آيات كثيرة تبين فضل صلة الرحم. ورد في هذا الحديث مرادفات منها "يبسط" المقصود بالبسط هنا هو الراحة في تحصيل الرزق وتوفيرها بسهولة.
خيرُ الرِّزقِ الكَفافُ. هَلُمُّوا إِليَّ. فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا ، فقال: هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي: إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا ، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه. التمِسوا الرِّزقَ في خبايا الأرضِ. من عرض له من هذا الرِّزقِ شيءٌ من غيرِ مسألةٍ ولا إشرافِ نفسٍ فليتوسَّعْ به في رزقِه فإن كان غنيًّا فليوجِّهْه إلى من هو أحوَجُ إليه منه. أتَيْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يعمَلُ عملًا يبني بناءً فلمَّا فرَغ دعانا فقال: (لا تَنافَسا في الرِّزقِ ما هزَّت رؤوسُكما فإنَّ الإنسانَ تلِدُه أمُّه وهو أحمرُ ليس عليه قِشرٌ ثمَّ يُعطيه اللهُ ويرزُقُه. إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ، نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا، قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرِّزقُ؟ فما الأجلُ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ.
[٣] يبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ الله سبحانه وتعالى صرَف إلى الملائكة أمر ملازمة حال تطور النطفة فيقول الملك يا رّب خلقتَ نطفة وهي الماء الصافي وبعدها يا رّب خلقتَ علقة وهي قطعة من الدم الجامد ثم يا رّب خلقتَ مضعة وهي قطعة من اللحم، والمقصود ليس إخبار الله بذلك ولكن مراقبة أمر إتمام خَلقه والدعاء له فإذا جاء وقت تمام خلقه يسأل الملك الله عن كونه ذكر أو أنثى ويسأله إن كان من الأشقياء أي العصاة أم السعداء وهم الطائعون، ويسأله عما سيكون عليه حال رزقه أي هل هو قليل أم كثير وهل هو من المال الحلال أم الحرام، ويسأل الملك أيضًا عن أجله أي وقت موته. [٤] يكتب الله عز وجل جنس ورزق وعمر وعمل الإنسان وهو في رحم أمه بعمله السابق لما سيفعل الإنسان في حياته. [٤] حديث: إنّ الرّجل ليُحرم الرِّزق بالذّنب يصيبه عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه. " [٥] يحذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ الزرق قد يمنع عن العبد أو يضيقه الله عليه بسبب ذنب قام بفعله وهذا موافق لقول الله سبحانه وتعالى في سورة الجن: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}.