صمتت برهة ثم حكت كل شيء ليس لتجيب عن سؤال طرح، إنما لأن رغبة قوية استثارت داخلها ولدت لديها طاقة الأزمان جميعها للكلام، والبوح.
الوحيد الذي انتبه لها هو شاب في مقتبل العمر.. حاول أن يلفت انتباهها في الأول حين ركن، إلى جانبها، بسيارته الفارهة و التي بدت في هذا الدمار نشازا.. مطر، وفيضانات، ووحل، وسيارة من نوع "كات كات" مركونة وسط الوحل تتبدى كنتوء حيوانات المشعوذين المحنطة ( إنها لوحة صادمة تثقب الذاكرة في هذا الزلزال السماوي)، بيد أن "ريف" بدت لامبالية لا به، ولا بسيارته، ولا بصوت الرعد الذي غدا ينبئ بالأسوأ.. تجرأ و اقترب منها بخطوات محسوبة كممثل مبتدئ.. ودون أن يحييها قال لها: " إيه.. أترين.. الطبيعة فعلت بالبلدة هذا.. " ردت ريف دون أن تكلف نفسها النظر لمن يكلمها: " بل هم فعلوا بها هذا. لا الطبيعة". أضافت: " المنجل لا يحصد، الأيدي هي التي تحصد يا و لدي ". استجمع قواه و قال ببراءة: " و لكن من هم؟! " سخرت من رده و لكنها جارته و قالت بثقة: " زواجي فعلوا بها هذا".. ثم شبكت يديها إلى الوراء، وأدارت له ظهرها- كحنظلة ناجي العلي تماما- و تأملت البحر المتلاطمة أمواجه فيما يشبه الصلاة، رفعت رأسها إلى السماء بينما رجلاها تغوصان في الوحل ثم ناجت نفسها: "الأولاد، و الحمام والبحر.. ملاذي الوحيد.. «ريف» الحسناء - ديوان العرب. بل هو ملاذ كل من كان في رقتي و حساسيتي. "
احجز الفندق بأعلى خصم: Share