موقع شاهد فور

كلام عن الفقدان

June 26, 2024

يُمسكن بيدي ويُربتن عليها "البقاء لله.. شدي حيلك". يسلمون ويمضون وتأتي أخريات، يكررن الأمر في رتابة مستفزة، لماذا علي أن أمضي اليوم هكذا؟ تُشفق عليا أخريات يأخذنني في أحضانهن، وأرتمي أنا من حضن إلى آخر ولا أعلم من تحضنني أو ماذا تقول، قد طار عني عقلي ولا أعي شيئا مما يدور حولي. كل ما أذكره "اجمدي كدة عشان ماما.. خليكي قوية واجمدوا وقوا بعض وشدوا من أزر بعض.. متعيطيش.. متزعليش.. ادعيله واقريله قرآن وتصدقي عنه و.. و.. ". رامي جمال عن «لسه الكلام زعلان»: «كنت بغنيها بإحساس الخوف من الفقد» | نجوم إف إم. في البداية، ضاقتني كلماتهم كثيرا، كيف لا يسمح لي بالحزن في يوم كهذا؟، كيف يمنعوني من حقي في الحزن؟ إنه من حق كل إنسان منا أن يحزن، ويأخذ كامل وقته في هذا، ويعيش ذلك الوقت بكامل ألمه وقسوته. لماذا؟ لأن هذه الأوقات هي ما تصنعنا، وتجعلنا ما نحن عليه. لم أكن أود أن أقضي يوم كهذا في استقبال سيدات، لا أعرفهن ولست في مزاج يسمح لي بالتعرف عليهن. لا أرى طائلا من الجلوس لاستقبال عشرات الأشخاص طوال اليوم؛ حتى نجلس سويا في صمت مدقع لا ينفع الفقيد ولا ينفع أهله في شيء. بالطبع أحترم مجيء الجميع من الأقارب والمعارف، الذين لم يتأخروا عنا في شيء، ووقفوا بجانبنا طوال أيام العزاء، ولن أنسى لهم ذلك.

كلام عن الفقد - ووردز

ترى كيف سيتعامل مشعل السديري مع ظرف قاس مفاجئ ومؤلم كالموت؟ ألم يقل لي مرة إن تعامله مع الظروف هو تعامل المصدوم والمتوجس لأن لعبة الظروف هي لعبة خطرة وليس فيها شرف الفروسية النبيل، لأنها لا تعطيك إشارة البدء، ولا تلتزم بالأصول، وقد تضر بك في مقتل أنت لا تتوقعه.. من هنا كان مفروضاً عليه أن يواجهها بأسلحتها وأساليبها.. فلم يكن يملك غير الهجوم وسيلة، مستخدماً كل أسلحة السخرية والحزن والهجاء وحتى الفضائح! إنني أزعم أنني أعرف ما يضايق ويتعب صديقي «مشعل»، سواء قديماً أو اليوم، إن ما يضايقه ويتعبه هو صمت الكلام لا كلامُ الصمت! وهو الذي قال لي أيضاً: «الحياةُ يا رفيقي تطرحني كلّ صباح، وأنا بدوري أطرحها كل مساء، فلا هي أرهقتني ولا أنا شبعتُ منها.. فاذهب وقل للناس جميعاً: هناك رجل يُقال له مشعل، يفقدُ نصف عقله كل صباح، ويقتل النصف الآخر كل مساء.. وينامُ بدون غطاء وهو (خالي الوفاض). ». إنه الموت، أي الفقدُ العظيم، ذلك الواقعُ الأليم الذي تتقزمُ أمامه الشهرة والجاه والمال، بل الحياةُ كلها، بكامل عنفوانها، تذلّ أمام الموت والفقد الأليم. كلام عن الفقد - ووردز. *نقلاً عن "عكاظ" تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

مرارة الفقد

أقول كل هذا وأتذكر صديقنا وأستاذنا الكبير مشعل السديري بعد أن استمرت حياته مع «الفقد الأليم» بعد عامين من رحيل زوجته رحمها الله، ليفقد قبل أيام ابنته «العنود» ذات الثلاثين ربيعاً في لحظة صادمة لوالدها قبل أي أحد، إذ لحقت بأمها قبل أن تكمل سنتين، وهو شيء لم يتحمله قلب «مشعل» لحظة علمه بالنبأ فظل ساعات يعالج بالنعاس والمهدئات، وهو الذي فقد أيضاً قبل فقده لابنته بأربعة أعوام وزوجته بعامين، فقد أخاه الدكتور سلمان السديري عام 2013، رحمهم الله جميعاً. وإذ أكتب عن «مشعل» اليوم، فإنني لا أكتب معزياً فقط، ولا مترحماً على ابنته التي يذكرها كل من يعرفها من النساء بالخير والنور حتى أن مقبرة الرويس لم تشهد حضوراً نسائياً بذلك العدد الكبير في تشييع أحد الموتى من قبل، وهو شيء يبذر قليلاً من المواساة والعزاء في قلب والدها وأسرته الكريمة على الرغم من هول المأساة وجحيمها الفظ داخل الروح. أقول لا أكتب هنا في «عكاظ»، أي في نفس الصحيفة التي خطّ على صفحاتها كاتبُنا الكبير أجملَ وأصدق وأجرأ وأعند وأشرس وألطف حروفه وكلماته وسطوره ومقارباته ومشاكساته وتقلباته ودرامياته التي لا تشبه سوى مشعل السديري وتفرده المستحيل.

رامي جمال عن «لسه الكلام زعلان»: «كنت بغنيها بإحساس الخوف من الفقد» | نجوم إف إم

انتقل إلى المحتوى.. لا أفهم كل القواعد الموضوعة، ولا الأحكام المُنصبَّة، وأعرف أن سقوطي سيكون مُدوياً لأني أتجاهل كل شيء وأركض نحوك. نحو الـ لا حاجة لشرح ذاتي، ومزاجيتي، وحاجة للعزلة تسحبني إلى كهفي. نحو كفك الممدوة كحبل حين أغرق، وصوتك الذي ينتشلني دائما من غربة داخلية تُبعدني عن ما أحب.. يا صديقا أتشبث به رغم استعدادي الكُلِّي للتخلي عن ما لدي في لحظة ،والسير نحو النهاية المجهولة.. أدرك بأن المشي بجانبي صعب، وفهمي أصعب، وأني كائن يدفع الآخرين بعيدا عنه. لكن تيقَّن بأنك فيني، وبحرُّك يأسرني، وأني رغم اختبائي الدائم تحت برودة غرفتي، وموسيقى تتسلل من شاشة حاسوبي، وادعائي المستمر بأني في أحسن حال ولا ينقصني شيئ إلا أني أحلم بـ قرب دائم، وكرسيين متجاورين في الطائرة، ومقالب ساخرة تدفعني لضحك صاخب أمام ملامح وجهك المُنزعجة. إن الدنيا بالنسبة لي كتاب صعب الفهم، وكلما قرأت منه سطرا نسيت الذي سبقه، فأبقى معلقة بين ضرورة اكمال القراءة والـ لافهم. وأدرك أنك في البُعد ترى تعبي، وتشعر به إلا أنك اخترت تركِّي متخبطة، مُثقلة بالأسئلة؛ لأنك تعِّي أني عاصفة لن يقدر عليها قلبك، وأن الطفلة التي تسكنني متهورة جدا.

وأهاب بالمجتمع الجامعي أخذ اللقاح؛ مقدماً شكره لإدارة الجامعة على توفير مركز لقاحات داخل الجامعة يخدم منسوبيها وطلابها بشكل سريع.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]