موقع شاهد فور

خليل بن عثمان

June 28, 2024

إذا ذكر صاحب اليوم عرف أنه رجل العروض والقافية، وأستاذ أساتذة البصرة والكوفة في النحو؛ ومؤسس علم المعجمات العربية؛ فقد اجتمعت لصاحبنا علوم لم تجتمع لواحد قبله، إنه الخليل بن أحمد الفراهيدي. وقد مكنتني المصادر التي بين يدي من أن ألتقط لك - عزيزي القارئ - صورة من صباه، لنتأملها معا، لنستخلص منها طبيعة هذه الشخصية العلمية منذ نعومة أظفارها. إن بداية حديثنا عن الخليل ستكون بذكر الفرزدق، ذلك الشاعر التميمي، الذي اشتهر بفصاحته وهجائه لجرير، وجرير هذا من أبرع الشعراء في الهجاء؛ وَكَانَ جرير يناضله ثَلاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ شَاعِرًا فينبذهم وَرَاء ظَهره وَيَرْمِي بهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَثَبت لَهُ الفرزدق والأخطل [1]. كتب مسجد ابن عثمان الخليل - مكتبة نور. أما الأخطل؛ فلم يكن مثلهما كما يحكي ابن سلام عن بشار بن برد، ولكن ربيعة تعصبت له فأفرطت فيه [2]. وما يعنينا هنا أن نؤكد أن الفرزدق هذا كان ثاني اثنين في الهجاء لم يكن لهما نظير ثالث، واشتهار الشاعر بهذا النوع من الشعر في ذلك الأوان مدعاة لأن يُخْطَبَ ودُّه، ويتقى شره، أو فلتقل مدعاة للابتعاد عنه خشية أن تحضره ربة شعر الهجاء فتنصب على من حوله أو من يجالسه، وإن لم يكن بينه وبينه عداوة.

كتب مسجد ابن عثمان الخليل - مكتبة نور

غير أن المرزباني في كتابه نور القبس يروي عن صاحبنا فيقول: "قال الخليل: مرَّ بنا الفرزدق ونحن صبيان نلعب، وقد انصرف من المهالبة وهو على بغل، وكان قبيح الوجه، فجعلنا ننظر إليه، فوقف وقال ": نظروا إليك بأعين محمرة نظرَ التيوس إلى مُدَى القَصَّابِ فقال له بعضنا: نظرنا إليك أنك مليح، كما ينظر إلى القرد وهو مليح، فصرف وجه بغلته وانصرف. -قال أبو العيناء: الخليل قال له هذه المقالة وهو صبي، ولكنه لم يحب أن يحكيه عن نفسه" [3]. ويكمل الرواية صاحب كتاب أنساب الأشراف فيقول: "فجعل - يقصد الفرزدق - يفر من أيديهم ويضرب بغلته ويقول: عدس" [4]. لم يخش صاحبنا الفرزدق، ووقف يرد كلامه عليه، وتلك جرأة تستحق الوقوف أمامها، ولعلها هي التي تفسر لنا جرأته العلمية على وضع علمين لم يسبق إليهما في الراجح من آراء العلماء؛ علما العروض والقافية، وتأسيسه لعلم المعجمات العربية الذي وضع الخليل نواته الأولى. يضاف إلى ذلك حياؤه بعد كبره، وبعد أن بلغ في العلم مبلغا، ذلك الحياء الذي يتضح من كلام أبي العيناء الذي ذكرناه لك: "الخليل قال له هذه المقالة وهو صبي، ولكنه لم يحب أن يحكيه عن نفسه". الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، من ولد شبابة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن زهران بن كعب [5].

قال ابن قتيبة في المعارف: كان الخليل ذكيًّا، لطيفًا، فطنًا، واتفق العلماء على جلالته وفضائله، وتقدمه في علوم العربية من النحو واللغة والتصريف والعروض، وهو السابق إلى ذلك، المرجوع فيه إليه [21] ، وروي عنه أنه قال: إن لم يكن لك لحم ٌ كفاك خل وزيتُ إن لم يكن ذا وهذا فكسرة وبُيَيتُ تظل فيه وتأوي حتى يجيئك موتُ هذا لعمري كفافٌ فلا يغرك ليتُ [22] الخليل وكتاب العين: وبعض العلماء ينسبون كتاب العين إليه، وبعضهم يُنكر ذلك، أما مَنْ ينكر فيقول: "كانت مقطعات جمعها الليث بن المظفر بن نصر بن يسار صاحب الخليل، وزاد فيها ونقص ونسبها إلى الخليل، وهو بريء منها. واتفقوا على كثرة الأغاليط في كتاب العين، وكثيرًا مما ينقل الأزهري في تهذيب اللغة عن العين من الأغاليط، ويقول: هذا من عدد الليث" [23] و قال السيوطي - عن الخليل -: "وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور الذي به يتهيأ ضبط اللغة. وكان من الزهاد في الدنيا، والمنقطعين إلى العلم؛ ويروى عنه أنه قال: إن لم تكن هذه الطائفة أولياء لله فليس لله ولي" [24]. فالخليل على هذا الرأي وضع أول كتاب العين، فهو المؤسس لعلم المعجمات العربية، ثم جاء تلميذه وصاحبه الليث فزاد عليه أشياء ضمنها الكتاب ذاته.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]