قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قام إبراهيم على المقام حين أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ. حدثني القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ) قال: قام إبراهيم على مقامه, فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فقالوا: لبَّيك اللهمّ لبَّيك، فمن حَجّ اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ. وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عكرمة بن خالد المخزومي, قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت, قام على المقام, فنادى نداء سمعه أهل الأرض: إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه، قال داود: فأرجو من حجّ اليوم من إجابة إبراهيم عليه السلام. (7) حدثني محمد بن سنان القزاز, قال: ثنا حجاج, قال: ثنا حماد, عن أبي عاصم الغَنَويّ, عن أبي الطفيل, قال: قال ابن عباس: هل تدري كيف كانت التلبية؟ قلت: وكيف كانت التلبية؟ قال: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ, خفضت له الجبال رءوسها, ورُفِعَت القرى, فأذّن في الناس. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ) قال إبراهيم: كيف أقول يا ربّ؟ قال: قل: يا أيها الناس استجيبوا لربكم، قال: وقَرَّت في قلب كلّ مؤمن.
وقوله تعالى: { ثم ليقضوا تفثهم} (التفث): المناسك، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: هو أمر بوضع الإحرام، من حلق الرأس، ولبس الثياب، وقص الأظفار. وقوله سبحانه: { وليوفوا نذورهم} هذا خطاب لمن قصد البيت حاجاً، أن يؤدي ما لزم من أعمال الحج، وما ألزم به نفسه من عمل آخر، كنذر هدي، أو صدقة، أو نحو ذلك. وقوله تعالى: { وليطوفوا بالبيت العتيق} يعني الطواف الواجب يوم النحر، ويسمى طواف الإفاضة، أو طواف الصَّدَر، أو طواف الزيارة، أو طواف الركن؛ لأنه ركن من أركان الحج، لهذه الآية، ولفعله صلى الله عليه وسلم.
وفي أيام الحج نستلهم كثيرًا من المعاني السامية للحج المبرور، وأنه ليس له جزاء إلا الجنة، ففيه تكفر الذنوب، وتقبل التوبة، كما أن الحج عبادة فريدة، تجتمع فيها أنواع العبادات، ويظهر فيها التآلف والتكاتف والرحمة والترابط، والخشوع، والطاعة لله رب العالمين، كما أن في مناسكه إظهارًا لتوحيد الله وعبوديته. وهذه حقًا هي المعاني السامية للتقوى، بتعظيم شعائره واجتناب حرماته، يستشعرون جميعهم مراقبة الله في كل مناسكهم وحركاتهم وسكناتهم في نسق مترابط فريد. ولعلنا في هذه الأيام المباركة نستذكر الوحدة الإسلامية الكبرى، والروح الإسلامية العالية، والعاطفة الدينية العميقة، التي جمعت المسلمين من مختلف أصقاع الأرض في هذه الصورة الفريدة، فالحج شعيرة كاملة، فهو التوحيد والنية والصلاة والصيام والدعاء وشهود المنافع لجميع الحجاج. اللهم أدم نعمة الأمن والأمان على بلادنا، ويسر اللهم الحج لضيوف الرحمن، الذين نستقبلهم بأرواحنا وقلوبنا ونسعد جميعًا بخدمتهم.. اللهم ارزقهم الكمال والتمام في حجهم، واغفر لهم ذنوبهم، وأعدهم إلى بلادهم في أمن وأمان، وسكينة واطمئنان، وفرح وامتنان.