وقال بعض الناس: إنّ الواو في ردّ السلام تفيد معنى الزيادة فلو كان المُسلِّم بلغ غاية التحية أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فإذا قال الرادّ: «وعليكم السلام» الخ ، كان قد ردّها بأحسن منها بزيادة الواو ، وهذا وهم. ومعنى ( ردّوها) ردّوا مثلها ، وهذا كقولهم: عندي درهم ونصفه ، لظهور تعذّر ردّ ذات التحيّة ، وقوله تعالى: { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها} [ النساء: 176] فعاد ضمير «وهو» وهاء «يرثها» إلى اللفظين لا إلى الذاتين ، ودلّ الأمر على وجوب ردّ السلام ، ولا دلالة في الآية على حكم الابتداء بالسلام ، فذلك ثابت بالسنّة للترغيب فيه. وقد ذكروا أنّ العرب كانوا لا يقدّمون اسم المسلَّم عليه المجرور بعَلى في ابتداء السلام إلاّ في الرثاء ، في مثل قول عبدة بن الطيب: عليك السلام الله قيس بن عاصم... إعراب قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على الآية 86 سورة النساء. ورحمته ما شاء أن يترحّما وفي قول الشمّاخ: عليك سلام من أمير وباركت... يد الله في ذاك الأديم الممّزق يرثي عثمان بن عفّان أو عمَر بن الخطاب. روى أبو داوود أنّ جابر بن سليم سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك السلام يا رسول الله ، فقال له: " إنّ عليك السلامُ تحيةُ الموتى ، قل ، السلام عليك ".
وأفاد قوله: { بأحسن منها أو ردّوها} التخيير بين الحالين ، ويُعلم من تقديم قوله: { بأحسنَ منها} أنّ ذلك أفضل. وحيَيَّ أصله في اللغة دَعَا له بالحياة ، ولعلّه من قبيل النحت من قول القائل: حيّاك الله ، أي وهب لك طول الحياة. فيقال للملك: حياك الله. ولذلك جاء في دعاء التشهَّد ( التحيَّات لِلّه) أي هو مستحقّها لا ملوك الناس. واذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها اعراب - موقع موسوعتى. وقال النابغة: يُحَيَّوْنَ بالرّيْحَاننِ يومَ السَّبَاسِبِ... أي يحيون مع تَقَديم الريحان في يوم عيد الشعانين وكانت التحيّة خاصّة بالملوك بدعاء ( حيّاك الله) غالباً ، فلذلك أطلقوا التحية على المُلْك في قول زهير بن جَنَّات الكلبي: ولَكُلّ ما نال الفتى... قد نلتُه إلاّ التحيَّة يريد أنّه بلغَ غاية المجد سوى الملك. وهو الذي عناه المعريّ بقوله: تحيةُ كِسْرى في الثناء وتُبَّعِ... لِرْبعِككِ لا أرضَى تَحِيَّةَ أرْبُعِ وهذه الآية من آداب الإسلام: علّم الله بها أن يَردّوا على المسلّم بأحسنَ من سلامه أو بما يماثله ، ليبطل ما كان بين الجاهلية من تفاوت السادة والدهماء. وتكون التحيّة أحسن بزيادة المعنى ، فلذلك قالوا في قوله تعالى: { فقالوا سلاماً قال سلام} [ الذاريات: 25]: أنّ تحية إبراهيم كانت أحسن إذ عُبِّر عنها بما هو أقوى في كلام العرب وهو رفع المصدر للدلالة على الثبات وتناسِي الحدوث المؤذن به نصب المصدر ، وليس في لغة إبراهيم مثل ذلك ولكنّه من بديع الترجمة ، ولذلك جاء في تحيّة الإسلام: السلام عليكم ، وفي ردّها وعليكم السلام لأنّ تقديم الظرف فيه للاهتمام بضمير المخاطب.
وفي الحديث: مرّ رجل فقال رسول الله: ماذا تقولون فيه؟ قالوا: هذا جدير إن شفع أن يشفَّع.. الحديث حتى إذا قبل المستشفَع إليه الشفاعة كان قد طيَّب خاطر الشفيع ، وإذا لم يقبل كان في حسن التحية مرضاة له على الجملة. وهذا دأب القرآن في انتهاز فرص الإرشاد والتأديب. وبهذا البيان تنجلي عنك الحيرة التي عرضت في توجيه انتظام هذه الآية مع سابقتها ، وتستغني عن الالتجاء إلى المناسبات الضعيفة التي صاروا إليها. واذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها تفسير. وقد دلّ قوله: { فحيُّوا بأحسن منها} على الأمر بردّ السلام ، ووجوب الردّ لأنّ أصل صغية الأمر أن يكون للوجوب على مقتضى مذهب الجمهور في محمل صيغة الأمر ، ولذلك اتّفق الفقهاء على وجوب ردّ السلام ، ثم اختلفوا إذا كان المسلَّم عليهم جماعة هل يجب الردّ على كلّ واحد منهم: فقال مالك: هو واجب على الجماعة وجوبَ الكفاية فإذا رَد واحد من الجماعة أجزأ عنهم ، وورد في ذلك حديث صحيح؛ على أنّه إذا كانت الجماعة كثيرة يصير ردّ الجميع غوغاء. وقال أبو حنيفة: الردّ فرض على كلّ شخص من الجماعة بعينه. ولعلّ دليله في ذلك القياس. ودلّ قوله: { وإذا حييتم بتحية} على أنّ ابتداء السلام شيء معروف بينهم ، ودليله قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها} وسيأتي في سورة النور ( 27).
مر شاب من مجموعة فتيه فقال. حدثني موسى بن سهل الرملي حدثنا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حيوا بأي تحية كانت أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة أو مثلها في ذلك. وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا 86. وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا. إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم أو ردوا عليه بمثل ما سلم به فالزيادة مندوبة والمماثلة مفروضة. قال ابن جرير. إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم أو ردوا عليه بمثل ما سلم به فالزيادة مندوبة والمماثلة مفروضة. وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا قوله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا في النظم وجهان الأول أنه لما أمر المؤمنين بالجهاد أمرهم أيضا بأن. وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا 86 القول في تأويل قوله وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها.
تأويل الآية: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [1] تكررت هذه الفقرة في سورة القمر؛ التي قال فيها تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، وقبل أن نحدِّد معناها، نودُّ أن نحدِّد معنى "التيسير" و"الذكر" في هذه الفقرة. فقد استخدم العرب فعل "يَسَّرَه له" لمعنى: أعدَّه لأمر ما، وفي الإعداد تأتي كافة التسهيلات التي تتطلبها هذه العملية؛ فمثلًا: يَسَّرَ الفرسَ للركوب، فمعناه أعدَّه بما يجب من السرج والزمام، ولكي يستعدَّ الفرس لاستعمال الراكب؛ قال الشاعر المخضرم الأعرج المعني: وقمتُ إليه باللجام ميسِّرًا هنالك يجزيني بما كنتُ أصنع [ 2] "إليه"؛ أي: إلى الفرس الذي كان مستعدًّا للركوب. وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: ويَسَّرَها لنا الميمونُ حتى لقيناها ببطنِ منًى تسير [3] وقال مسكين الدارمي: أقاسمهم للمال في القُلِّ والغِنى ويدفع عنهن السنين احتياليا فهذا لأيامِ الطراد وهذه للهوى وهذي يُسِّرتْ لارتحاليا [4] فهنا ذكر ثلاثة أشياء: الفرس يسَّره للحرب، والجارية يسَّرها للسلم، وأما الناقة فيسَّرها للسفر.
وقالت الخنساء: كأنَّ عيني لذكراه إذا خطرتْ فيض يسيل على الخدَّين مدرار [21] وقالت أيضًا: حتى تفضُّوا جمعَهم وتذكَّروا صخرًا ومصرعه بلا ثأر وفوارسًا منا هنالك قُتِّلوا في عثرة كانت من الدهر [22] ولها كذلك: يؤرِّقني التذكُّر حين أمسِي فأصبِحُ قد بُليتُ بفرط نكس [23] والنكس هو الرجوع إلى المرض بعد النقاحة. وقال حاتم الطائي: وتُذكَرُ أخلاقُ الفتى وعظامُه مُغَيَّبَةٌ في اللحد بالٍ رميمُها [24] وقال حسان بن ثابت الأنصاري: تذكر آلاء الرسول وما أرى لها محصيًا نفسي فنفسي تبلَّد مفجَّعة قد شفَّها فقدُ أحمد فظلَّت لآلاء الرسول تعدِّد [25] وقد ضاربت فيه بنو الأوس كلهم وكان لهم ذكر هناك رفيع [26] وله أيضًا: أقسمتُ أنساها وأترك ذكرَها حتى تغيَّب في الضريح عظامي [27] أي: لا أنساها، فحذفت اللام بعد القسم، وهو أسلوب شائع للعربية. وقال الكميت الأسدي: ستذكرنا منكم نفوس وأعين ذوارفُ لم تضنن بدمعٍ غروبها [28] وقال الراعي النميري: رجاؤك أنساني تذكُّر إخوتي ومالُك أنساني بوهبين ماليا [29] وقال زياد بن حَمَل بن سعد: لم يُنسِني ذكرَكم مذ لم ألاقكم عيشٌ سلوتُ به عنكم ولا قَدَم [30] هنا "كم" للحبيب؛ طبقًا لأسلوب العربية الشهير.
يقول القشيري رحمه الله: "يسّرنا قراءته على ألسنة الناس، ويسّرنا علمه على قلوب قوم ، ويسّرنا فهمه على قلوب قوم، ويسّرنا حفظه على قلوب قوم ، وكلّهم أهل القرآن، وكلّهم أهل الله وخاصته". انتهى من "لطائف الإشارات" (3/ 497). والخلاصة، أننا إذا فهمنا الآية الكريمة على أحد الأوجه السابقة ، كما فهمها العلماء، تبين لنا أنها لا تعارض إطلاقا حاجتنا إلى العلماء في تفسير كثير من الآيات الكريمات. والله أعلم.