موقع شاهد فور

لكل اجل كتاب — كتب عليكم القتال وهو كره لكم

July 10, 2024
و أم الكتاب لا محالة شيء مضاف إلى الكتاب الذي ذكر في قوله لكل أجل كتاب. فإن طريقة إعادة النكرة بحرف التعريف أن تكون [ ص: 168] المعادة عين الأولى بأن يجعل التعريف تعريف العهد ، أي: وعنده أم ذلك الكتاب ، وهو كتاب الأجل. فكلمة ( أم) مستعملة مجازا فيما يشبه الأم في كونها أصلا لما تضاف إليه ( أم); لأن الأم يتولد منها المولود فكثر إطلاق أم الشيء على أصله ، فالأم هنا مراد به ما هو أصل للمحو والإثبات اللذين هما من مظاهر قوله لكل أجل كتاب. لكل اجل كتاب. أي: لما محو وإثبات المشيئات مظاهر له وصادرة عنه ، فأم الكتاب هو علم الله تعالى بما سيريد محوه وما سيريد إثباته كما تقدم. والعندية عندية الاستئثار بالعلم وما يتصرف عنه ، أي: وفي ملكه وعلمه أم الكتاب لا يطلع عليها أحد. ولكن الناس يرون مظاهرها دون اطلاع على مدى ثبات تلك المظاهر وزوالها ، أي: أن الله المتصرف بتعيين الآجال والمواقيت فجعل لكل أجل حدا معينا ، فيكون أصل الكتاب على هذا التفسير بمعنى كله وقاعدته. ويحتمل أن يكون التعريف في الكتاب الذي أضيف إليه ( أم) أصل ما يكتب ، أي: يقدر في علم الله من الحوادث فهو الذي لا يغير ، أي: يمحو ما يشاء ويثبت في الأخبار من وعد ووعيد ، وفي الآثار من ثواب وعقاب ، وعنده ثابت التقادير كلها غير متغيرة.
  1. لكل اجل كتاب تفسير
  2. لكل اجل كتاب
  3. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة البقرة - قوله تعالى كتب عليكم القتال وهو كره - الجزء رقم3

لكل اجل كتاب تفسير

( لكل أجل كتاب) أي: لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) [ الحج: 70]. وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: ( لكل أجل كتاب) أي: لكل كتاب أجل يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه.

لكل اجل كتاب

الشيخ: وهذا فيه التَّحذير والإنذار لهذه الأُمَّة أن يُصيبها ما أصاب مَن قبلها، كل أمةٍ لها أجلٌ، إذا جاء أجلُها المقدَّر لها قُضي عليها، كما جرى لأُمَّة نوحٍ، وأمة هود، وأمة صالح، وأمة شعيب، وأمة لوط، وغيرهم من الأمم التي أُهلكت بذنوبها وكفرها. ثم يقول جلَّ وعلا: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ، إمَّا يعني: إن يأتكم، ما صلة، فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ يعني: اتَّقى غضبَ الله، واتَّقى عقابَه بطاعته، والاستقامة على دينه، فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وهذا من فضله وإحسانه جلَّ وعلا: أنَّ مَن اتَّقاه وأصلح في العمل وراقبه جلَّ وعلا؛ فإنَّ الله جلَّ وعلا يُوفيه أجوره كاملة، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، بل هو في نعيمٍ وخيرٍ، لا يحزن على ما مضى، ولا يخاف مما يستقبل، بل له الأمن الكامل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].

فالله جعل لكل شيء قدراً، له زمن لا يتعدّاه، ووقت لا يتخطّاه، فإذا جاء موعد المقدور، فلا يستأخر عن وقته ساعة ولا يستقدم. للكربة وقت ثم تزول، ولها زمن ثم تحول، لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. للمرض أيام معدودة، وليال محسوبة، ثم ينكشف لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. لكل اجل كتاب فاذا جاء اجلهم. للهم ساعات، وللغم أوقات، ثم ينجلي بسرور لاحق، وفجر صادق، لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. للفقر أزمان ولو طالت، وللعدم أوقات ولو قست، ثم ينقشع، لأن الله قد جعل لكل شيء قدراً. فما عليك إلا أن تعمل وتحرص على الخير وتبذل الوسع، وتخلص السعي، وتصحح العمل، وتحقق العبودية، ثم اترك ثمرات الأعمال، ونتائج الأحوال، لذي العزة والجلال. لا تستعجل حصول المرغوب، وإزاحة المرهوب، فالأمر ليس إليك، بل إلى من جعل لكل شيء قدراً.

ولفظ { كتب عليكم} من صيغ الوجوب وقد تقدم في آية الوصية. وآل في ( القتال) للجنس ، ولا يكون القتال إلا للأعداء فهو عام عموماً عرفياً أي كتب عليكم قتال عدو الدين. والخطاب للمسلمين ، وأعداؤهم يومئذ المشركون ، لأنهم خالفوهم في الدين وآذوا الرسول والمؤمنين ، فالقتال المأمور به هو الجهاد لإعلاء كلمة الله ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم غير مأذون في القتال في أول ظهور الإسلام ، ثم أذن له في ذلك بقوله تعالى: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} [ الحج: 39] ، ثم نزلت آية قتال المبادئين بقتال المسلمين في قوله تعالى: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} [ البقرة: 190] كما تقدم آنفاً. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة البقرة - قوله تعالى كتب عليكم القتال وهو كره - الجزء رقم3. هذه الآية نزلت في واقعة سرية عبد الله بن جَحش كما يأتي ، وذلك في الشهر السابع عشر من الهجرة ، فالآية وردت في هذه السورة مع جملة التشريعات والنظم التي حوتها كقوله: { كتب عليكم الصيام} [ البقرة: 183] ، { كتب عليكم القصاص} [ البقرة: 178] ، { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} [ البقرة: 180]. فعلى المختار يكونُ قوله: { كتب عليكم القتال} خبراً عن حكم سبق لزيادة تقريره ولينتقل منه إلى قوله { وهو كره لكم} الآية ، أو إعادة لإنشاء وجوب القتال زيادة في تأكيده ، أو إنشاءً أُنُفاً لوجوب القتال إن كانت هذه أول آية نزلت في هذا المعنى بناء على أن قوله تعالى: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} إذْن في القتال وإعداد له وليست بموجبة له.

إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة البقرة - قوله تعالى كتب عليكم القتال وهو كره - الجزء رقم3

قوله تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: " كتب " معناه فرض ، وقد تقدم مثله. وقرأ قوم " كتب عليكم القتل " ، وقال الشاعر ( هو عمر بن أبي ربيعة): [ ص: 37] كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول هذا هو فرض الجهاد ، بين سبحانه أن هذا مما امتحنوا به وجعل وصلة إلى الجنة. والمراد بالقتال قتال الأعداء من الكفار ، وهذا كان معلوما لهم بقرائن الأحوال ، ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في القتال مدة إقامته بمكة ، فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين فقال تعالى: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ثم أذن له في قتال المشركين عامة. واختلفوا من المراد بهذه الآية ، فقيل: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين عليهم ، فلما استقر الشرع صار على الكفاية ، قاله عطاء والأوزاعي. قال ابن جريج: قلت لعطاء: أواجب الغزو على الناس في هذه الآية ؟ فقال: لا ، إنما كتب على أولئك. وقال الجمهور من الأمة: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته.

لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). الثاني: إذا نزل الكفر ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم. الثالث: إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفي معه. لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (وإذا استنفرتم فانفروا) متفق عليه.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]