موقع شاهد فور

قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون

June 28, 2024

وقرأ ابن كثير بالإفراد. والأمانة ما يؤتمنون عليه ، والعهد ما يعاهدون عليه من جهة الله سبحانه أو جهة عباده ، وقد جمع العهد والأمانة كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين والدنيا ، والأمانة أعم من العهد ، فكل عهد أمانة ، ومعنى راعون: حافظون. والذين هم على صلواتهم يحافظون قرأ الجمهور ( صلواتهم) بالجمع. وقرأ حمزة والكسائي ( صلاتهم) بالإفراد ، ومن قرأ بالإفراد فقد أراد اسم الجنس وهو في معنى الجمع والمحافظة على الصلاة إقامتها والمحافظة عليها في أوقاتها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها. ثم مدح سبحانه هؤلاء فقال: أولئك هم الوارثون أي الأحقاء بأن يسموا بهذا الاسم دون غيرهم. قد أفلح المؤمنون - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. ثم بين الموروث بقوله: الذين يرثون الفردوس وهو أوسط الجنة ، كما صح تفسيره بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. والمعنى: أن من عمل بما ذكر في هذه الآيات فهو الوارث الذي يرث من الجنة ذلك المكان ، وفيه استعارة لاستحقاقهم الفردوس بأعمالهم. وقيل: المعنى: أنهم يرثون من الكفار منازلهم حيث فرقوها على أنفسهم ؛ لأنه سبحانه خلق لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار. ولفظ الفردوس لغة رومية معربة ، وقيل: فارسية ، وقيل: حبشية ، وقيل: هي عربية ، وجملة هم فيها خالدون في محل نصب على الحال المقدرة ، أو مستأنفة لا محل لها ، ومعنى الخلود أنهم يدومون فيها لا يخرجون منها ولا يموتون فيها ، وتأنيث الضمير مع أنه راجع إلى الفردوس ؛ لأنه بمعنى الجنة.

إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - القول في تأويل قوله تعالى " قد أفلح المؤمنون "- الجزء رقم19

وإنما كان أسوأ الناس سرقة؛ لأنه يسرق في بيت الملك وهو واقف بين يديه، ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب، ولأن سارق الدنيا ينتفع بما يسرقه ويتمتع به، أما هو فيسرق من حق نفسه في الثواب، فيشتري بذلك العقاب في الآخرة، فأقبح بها من سرقة! وأعظم بها من جناية! ولأن الصلاة الخاشعة هي الصلاة التي لها الأثر في الحياة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. ولذلك فإن كثيرًا من الناس يُصلي، ثم يخرج ينظر إلى الحرام أو يأكل الربا، أو يظلم الناس! إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - القول في تأويل قوله تعالى " قد أفلح المؤمنون "- الجزء رقم19. لماذا لم تَنههم صلاتهم عن الأقوال والأعمال المنكرة؟ أين أثرُ صلاتهم في حياتهم؟ لماذا لا يتغيَّرون بالصلاة؟ الجواب: لأنهم لا يُحسنون الصلاة، إنهم بحاجة إلى أن يعرفوا لِمَن يصلون؟ لمن يركعون ويسجدون؟ وبين يدي مَن يقفون؟! [1]. اعتناء السلف رضي الله عنهم بالخشوع في الصلاة: • صَعِدَ عمر بن الخطاب المنبر يومًا، فقال: "إن الرجل ليَشيب عارضاه في الإسلام، وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها، وإقباله على الله فيها" [2]. • قال حذيفة: "إياكم وخشوع النفاق! فقيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع" [3].

قد أفلح المؤمنون - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام

{ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ} وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة، { مُعْرِضُونَ} رغبة عنه، وتنزيها لأنفسهم، وترفعا عنه، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه -إلا في الخير- كان مالكا لأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: " كف عليك هذا " فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة، كف ألسنتهم عن اللغو والمحرمات. { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} أي مؤدون لزكاة أموالهم، على اختلاف أجناس الأموال، مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفس بتركها وتجنبها، فأحسنوا في عبادة الخالق، في الخشوع في الصلاة، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة. { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} عن الزنا ، ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك، كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم من كل أحد { إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من الإماء المملوكات { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} بقربهما، لأن الله تعالى أحلهما.

وأخرجه عبد الرزاق عنه ، وزاد: فأمره بالخشوع فرمى ببصره نحو مسجده. وأخرجه عنه أيضا عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن بلفظ: كان إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا ، يمينا وشمالا ، فنزلت الذين هم في صلاتهم خاشعون فحنى رأسه. وروي عنه من طرق مرسلا هكذا. وأخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عنه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء ، فنزلت الذين هم في صلاتهم خاشعون فطأطأ رأسه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين بلفظ: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يرفعون رءوسهم وأبصارهم إلى السماء في الصلاة ويلتفتون يمينا وشمالا ، فأنزل الله قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون فمالوا برءوسهم فلم يرفعوا أبصارهم بعد ذلك في الصلاة ، ولم يلتفتوا يمينا وشمالا. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي أنه سئل عن قوله: الذين هم في صلاتهم خاشعون قال: الخشوع في القلب وأن تلين كتفك للمرء المسلم ، وأن لا تلتفت في صلاتك.

موقع شاهد فور, 2024

[email protected]