[٢] وعندما يتعرّض الكافر والمنافق لسؤال الملكين يُعقد لسانهما فلا يستطيعا البوح بالجواب الصحيح، ووردت الإشارة لذلك في السّنة النبوية في الحديث: (وأَمَّا المُنَافِقُ -أوِ المُرْتَابُ لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ- فيَقولُ: لا أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ) ، [٣] والمَلَكان اللّذان يسألان الموتى هُما: مُنكر ونكير، فيبشِّران المؤمن بالنَّعيم المقيم في الجنَّة، ويتوعَّدان الكافر بالعذاب في الآخرة. [٤] [٥] ويجب على الإنسان الإيمان بهذه المرحلة التي تكون عند نُزول الميت إلى قبره، فَيَردُّ الله -تعالى- إليه روحه وسمعه وبصره، ثُمَّ بعد ذلك تُوجَّه إليه الأسئلة الثلاث المذكورة سابقاً. . من أحوال الميت في قبره. - إسلام ويب - مركز الفتوى. [٦] [٧] ومن الأحاديث التي وردت في ذلك قول النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسلام-: (إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحَابُهُ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّا المُؤْمِنُ، فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ... ). [٦] [٧] ولا بد من الإشارة إلى أنَّ هذه الفتنة يتعرَّض لها جميع الموتى باستثناء البعض الذين يُعصمون من فتنة القبر وسؤال المَلَكَين، وهؤلاء هم: [٨] [٤] الأنبياء والرُّسل -عليهم السلام-.
سئل ابن عثيمين رحمه الله: إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد ، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب ؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر ، فكيف يكون ذلك ؟ فأجاب: " ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت إذا مات فإنها تعاد روحه إليه في قبره ، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه ، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فيقول المؤمن: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القبر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة، وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها فإن واجبنا نحوها التوقف؛ لقول الله تعالى: ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36 ". انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (4/ 2) بترقيم الشاملة.
[١٥] ونعيمُ القبر نموذجٌ مُصغّر من نعيم الجنة، وينبغي على المؤمن الاستعداد للآخرة، والتأهّب للقاء الله -تعالى-، وأن يبتعد عن أسباب العذاب؛ من خلال اجتهاده في الطاعة، والاستقامة على أوامر ربه، والابتعاد عن المعاصي والمُحرّمات، فيكون بسبب ذلك في نعيمٍ في القبر، وفي روضةٍ من رياض الجنة إلى قيام الساعة، [١٦] ويكون النعيم للمؤمن بفتح أبواب الجنة له، ويُوسّع له قبره، ويأتيه من نعيم الجنة ما تقرّ به عينُه. [١٧] عذاب القبر للميِّت هناك أدلة على عذاب القمر: أدلَّة ثبوت عذاب القبر ثبت عذاب القبر في القُرآن الكريم، والسُنَّة، والإجماع، ومن هذه الأدلَّة ما يأتي: [١٨] القُرآن: كما ورد في قولهُ -تعالى-: (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) ، [١٩] وغير ذلك من الآيات التي أشارت لعذاب القبر. السُنَّة النَّبويَّة: قول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (فيُنادي منادي من السَّماءِ أن كذب، فأفرِشوه من النَّارِ، وافتحوا له بابًا إلى النَّارِ، فيأتيه من حَرِّها وسَمومِها، ويُضيَّقُ عليه قبرُه حتَّى تختلِفَ أضلاعُه، ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ، فيقولُ له: أبشِرْ بالَّذي يسوءُك، هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ، فيقولُ: من أنت؟ فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ، فيقولُ: أنا عملُك الخبيثُ، فيقولُ: ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ) ، [١٤] ويقع العذاب على الرُّوح والبدن معاً، وأحوال الآخرة لا تُقاسُ بأحوال الدُّنيا، فليس العذاب هنا كالعذاب هناك.
خلاف العلماء في ردِّ الروح للميت في قبره اختلف العلماء في مسألة سؤال الملكين للميت في قبره، هل أنَّ سؤالهما يقع على الروح أم على البدن أم عليهما معًا، وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي: يرى جمهور علماء السُّنة أنّ الروح تُرَدُّ إلى جسد الميت بعد أن يُدخَل القبر، أو حتى بعض الجسد في حالة ما إذا كان الجسد قد لحق شيئًا منه البتر أو الحرق، فلا يمنع من ذلك كون جسم الميت قد تمزَّق إلى أشلاء، أو احترق بكامله؛ لأنّ اللّه قادر على أن يعيد الحياة إلى جسده ولو لجزءٍ بسيطٍ منه، ويقع على الجزء الذي يبقى من الجسد سؤال الملكين له في قبره. مذهب الإمام أبي حنيفة والغزاليّ -رحمهما الله- في هذه المسألة هو التوقّف، لكنّهم أقرّوا أنّ الميت في قبره يشعر ببعض حياة، فيتنعَّم إن كان تقيًّا، ويُعذّب إن كان غير ذلك، ويتلذّذ بالملذّات التي تأتيه ثوابًا على ما قدَّم من صالح العمل، أما مسألة عودة الروح إلى الجسد عند سؤال الملكين وبعدها فهي عندهم غير مُستقرّةٍ؛ فيمكن أن تعود إلى جسده إذا دخل القبر، ويمكن أن يُؤخّر الله ذلك إلى يوم القيامة، والله وحده العليم بذلك. يرى الإمام ابن جرير الطبريّ وجماعةٌ من العلماء أنَّ سؤال الملكين للميت في قبره إنّما يقع على جسده فقط، وأنّ الله سبحانه وتعالى يخلُق فيه إدراكًا وسمعًا وقدرةً على الحوار والإجابة، ويجعله يتألّم إذا ما استحقّ العذاب ولو لبرهة، كما يشعر بالنّعيم ويتلذّذ به إذا كان من أهل التقوى والصّلاح.
[٢٣] المراجع