جميع الحقوق محفوظة
وزارة المالية لا تُلام عندما ترفض الكثير من الطلبات المبالغ فيها، سواء في هذا الباب أو غيره، ولولا كبحها لجماح المسؤولين عن إعداد الميزانيات في الدوائر الحكومية، لرأينا ضعف الميزانية في الأرقام خاصة في هذا الباب أو أكثر. من الممكن أن يجادل البعض أن هذا خطأ، وأن الوظائف يجب أن تدرج حسب طلب الجهات وإلا كيف ستؤدي أعمالها وما هو مطلوب منها، لكنني اجزم أن الحبل لو ترك على الغارب لرأينا ملايين الوظائف عبر السنوات الخمس الماضية. القطاع العام متشبع في معظم القطاعات، بل أن أغلب الدوائر الحكومية استشرت فيها البطالة المقنعة من حيث وجود موظفين لا عمل لهم. مشكلة الوظائف أنها مستمرة وبمجرد اعتمادها وشغلها، تصبح عالة على ميزانية الدولة بشكل مستمر حتى لو لم يكن هناك مبرر لها. سلم رواتب التشغيل والصيانة بوزارة الدفاع والنصرة. وطالما اعتمدنا على ميزانية البنود، فستظل هذه الإشكالية قائمة، مع أن هناك نماذج أخرى من الميزانيات يمكن توظيفها، فهناك ميزانية البرامج والأداء التي أتت كي تتلافى أسلوب المساومة الذي تتصف به ميزانية البنود. وفي ميزانية البرامج والأداء، يتم التركيز على نوعية الأنشطة والأعمال والبرامج والإنجاز، وليس على الإنفاق لمجرد الإنفاق، ويتم الأخذ في الحسبان طبيعة وجودة العمل الذي بدأته جهة حكومية معينة أو بادرت بطلبه، من خلال مؤشرات يتم التأكد من خلالها أن الجهة قد حققته وفقا لما قد تم التخطيط له، وأن مشروعية الصرف مازالت قائمة إن استمر البرنامج أو النشاط.
السؤال: قال محمد بن واسع رحمه الله: (كنت أقول صباحًا ومساء: اللهم إنك سلطت علينا عدوًا بصيرًا بعيوبنا، مطلعًا على عوراتنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم فأيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منا كما قنّطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك). دعاء يخافه الشيطان مترجم. قال محمد بن واسع: (فرأيت إبليس في المنام، فقال: لا تعلم هذا الدعاء لأحد، فقلت: والله لا أمنعه من مسلم! ) فما رأي سماحتكم بهذا الدعاء وهل يجوز الدعاء به؟ الجواب: محمد بن واسع الأزدي البصري من صغار التابعين، ومن الثقات العبّاد رحمه الله، وهذا الدعاء لا بأس به، ولم أقف عليه في ترجمة محمد المذكور في البداية لابن كثير. ويكفي عن ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما قال الله سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]، وقال سبحانه في سورة النحل: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، وكان النبي ﷺ يتعوذ بالله من الشيطان في صلاته وغيرها بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وربما قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه ، وقد فسّر أهل العلم الهمز بالصرع، والنفخ بالكبر، والنفث بالشعر.. يعنون بذلك الشعر المذموم.
ثانيا: أما عن وقوع الحادثة المذكورة ومجيء الشيطان إلى محمد بن واسع ومخاطبته بذلك الكلام ، فهذا لا نستطيع أن نؤكده ، ولا ننفيه أيضا ، والسبب أننا لم نجد سند هذه القصة في كتب الأثر والرواية ، كما أننا لا نرى في مقصودها شيئا مستنكرا يستحق التكذيب: فكلمات الدعاء مقبولة شرعا وهي كالاستعاذة ، والشيطان يتصاغر عند الاستعاذة بالله ، وأشد ما يجده إذا حالت رحمة الله بينه وبين العباد ، فقد استكبر هو عنها فلا يريد أن تنال أحدا من الخلق. دعاء عظيم يخاف منه الشيطان – البسيط. أما تفاصيل القصة فلعل الأقرب أنها رؤيا منام ، وليست حقيقة واقعة ، وإن كان الشيطان يعرض للبشر بصورة رجل ، كما عرض لأبي هريرة رضي الله عنه حين وكَّله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ مال الصدقة. رواه البخاري معلقا (3275) وفي كتب السير كثيرٌ من القصص المشابهة ، ولم نر أحدا من أهل العلم يعقب عليها بالتكذيب والنفي. انظر كتاب "سلاح اليقظان لطرد الشيطان" للشيخ عبد العزيز السلمان (ص/15) ومحمد بن واسع من أئمة العلم والدين ، توفي سنة (123هـ) وكان من عباد أهل البصرة وأفضلهم ، حتى قال فيه سليمان التيمي: " ما أحد أُحِبُّ أن ألقى الله بمثل صحيفته مثل محمد بن واسع " انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (6/119) ، فلا يستبعد أن الشيطان يئس من إغوائه وإضلاله فجاء يطلب منه الكف عن الدعاء عليه.