المطلب الخامس: رفعُ الذِّراعَيْنِ عنِ الأرضِ حينَ السُّجودِ.
[2] شاهد أيضًا: حكم سجود التلاوة بدون وضوء حكم سجود التلاوة تعد سجود التلاوة سنة مؤكدة فيجب الحفاظ عليها وعدم تركها فإذا سمع أو رأى الإنسان آية سجدة فليسجد سواء كان يقرأ في المصحف أو عن ظهر قلب أو في حالة كان يصلي أو خارج الصلاة، وتعتبر سجود التلاوة مثل صلاة النافلة وذلك من حيث الحكم فيشترط فيه ما يشترط فيها من طهارة حدث وخبث وستر عورة واستقبال قبلة. هل يجوز سجود التلاوة بدون وضوء؟ هناك الكثير من الأقوال التي قالها العلماء في هذا الموضوع ومنها ما يلي:- الرأي الأول الذي كان من خلال اتفاق الفقهاء الأربعة أنه يجب الطهارة الوضوء في سجود التلاوة ولا يمكن السجود إلا بها وذلك لأنها تعتبر صلاة وتم قياسها على الركوع وسجود السهو وذلك من خلال قول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يَقْبَل اللهُ صَلاةً بغَيرِ طُهورٍ». أما عن القول الثاني والذي قاله السلف ومجموعة من العلماء أنه تجوز سجدة التلاوة من دون طهارة الوضوء والدليل على ذلك ما ورد عن السلف الصالح والبعض من العلماء مثل ابن حزم والبخاري والشوكاني وقد برروا حديثهم هذا بأنه لا يوجد أي نص صريح يشترط الطهارة عند سماع السجدة كما لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر أحدًا بالوضوء عندما كان يقرأ السجدة ويسجد معه الناس ولذلك يقولون بأن سجدة التلاوة ليس من المشترط لها أن يكون هناك طهارة.
وخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء [1]. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي [2] متفق على صحته [3]. رواه مسلم في (الصلاة) برقم (744)، والنسائي في (التطبيق) برقم (1125)، وأبو داود في (الصلاة) برقم (741). رواه البخاري في (الأذان) برقم (752، 775)، ومسلم في (الصلاة) برقم (746). من برنامج نور على الدرب، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 11/85- 87). فتاوى ذات صلة
وفي هذا الحديث أيضا: يستغيث النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه قائلا: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين». ومعنى الاستغاثة: هو نداء من يـُخلِّص من شدة أو يعين على دفع بلية، فهي طلب الغوث من الله -تعالى- على سبيل التعبد له وطلب التقرب إليه في أمر كرب أو شدة، مع إظهار التذلل والخشوع والعجز والفقر والضعف أمام الله -عز وجل-، فهي سؤال من يقدر على دفع الكرب ممن لا يقدر على دفعه. والاستغاثة نوع من العبادة التي يجب صرفها لله وحده فلا يستغاث إلا بالله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد. ولقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الاستسقاء كان يقول: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. » [رواه البخاري ومسلم]. اللهم برحمتك استغيث - الطير الأبابيل. وفي هذا الذكر العظيم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «برحمتك أستغيث»؛ وهو من روائع جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي قوله: «برحمتك أستغيث» تشبيه لرحمة الله -عز وجل- التي لولاها لما كانت لحياة الإنسان الدنيوية قيمة، ولا معنى ولما كان الإنسان في الآخرة من الفائزين والمفلحين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قاربوا، وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله» ، قالوا: "يا رسول الله، ولا أنت؟"، قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» متفق عليه.
اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا. والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه. أخرجه النَّسائي في "الكبرى" فيما يقول إذا أمسى، برقم (10405)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" برقم (10759). أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" برقم (2000)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين، ولم يُخرجاه". "مسند البزار = البحر الزخار" (13/49). "المعجم الصغير" للطبراني (1/270) (444). "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/180). "ميزان الاعتدال" (2/189). "الثقات" لابن حبان (6/398). "الترغيب والترهيب" للمنذري، ت: عمارة (1/457). "صحيح وضعيف الجامع الصغير" (22/259). "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/446). "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/187). اللهم برحمتك استغيث بالصور. "توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية = نونية ابن القيم" (1/131). أخرجه مسلم: كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، برقم (2654).
ثم يسأل الله تعالى صلاح الأمور والأحوال ، فيقول: ( أصلح لي شأني كله) أي: جميع أمري: في بيتي ، وأهلي ، وجيراني ، وأصحابي ، وعملي ، ودراستي ، وفي نفسي ، وقلبي ، وصحتي... في كل شيء يتعلق بي ، اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي. وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه ، ولذلك جاء ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام إليه سبحانه ، والاستسلام الكامل لغناه عز وجل ، فيقول: ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين): أي لا تتركني لضعفي وعجزي لحظة واحدة ، بل أصحبني العافية دائما ، وأعني بقوتك وقدرتك ، فإن من توكل على الله كفاه ، ومن استعان بالله أعانه ، والعبد لا غنى به عن الله طرفة عين. اللهم برحمتك استغيث. يقول ابن القيم رحمه الله: " مِن ههنا خذل مَن خُذل ، ووُفِّقَ مَن وُفق ، فحجب المخذول عن حقيقته ، ونسي نفسه ، فنسي فقره وحاجته وضرورته إلى ربه ، فطغى وعتا ، فحقت عليه الشقوة ، قال تعالى: ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى) وقال: ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) ، فأكمل الخلق أكملهم عبودية ، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين.
ولقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر) رواه مسلم. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) أي: لا تكلني في ذلك إلى نفسي لمحة أو لحظة، فإنك إن وكلتني إلى نفسي وكلتني إلى ضيعة وضعف وعجز، فلا تدعني لنفسي كي لا أركن إليها في تصريف أحوالي ولو للحظة، فإن في ذلك هلاكي وفساد حالي، وأنت أرحم الراحمين. اللهم يا حي يا قيوم برحمتك استغيث. والخلاصة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصى ابنته فاطمة -رضي الله عنها- بهذا الذكر العظيم كذكر من أذكار الصباح والمساء، وهذا الحديث من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن صلاح شأن العبد كله يتناول جميع أمور الدنيا والآخرة فلا يترك منها شيء إلا وأصلحه الله -تعالى- له، فيفوز قائل هذا الذكر إذا تفضل الله عليه بالإجابة بخيري الدنيا والآخرة لما في ذلك من كمال تفويض الأمر إلى الله -عز وجل-، فهذا من أعظم الإيمان وأجل خصاله وأشرف أنواعه. فعلى العبد حين يلجأ إلى ربه ويستغيثه أن يستحضر هذه المعاني الجميلة فيفوز بخيري الدنيا والآخرة، وما أعظم ما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه في هذا الذكر، وما أعظم ما سأل به فلقد سأل الله -عز وجل- باسمه الحي القيوم وسأله أن يصلح له شأنه كله.