وقد ضَرب لنا النبيّ الأعظم محمّد -صلى الله عليه وسلم- أروعَ الأمثلة في حب الوطن، وتجلّى ذلك يوم الهجرة النبوية المُباركة، حين أُرغم على الخروج من المكان الذي ولد فيه -عليه الصلاة والسلام- بعد أن اشتدّ أذى قريش عليه وعلى الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، فنظر إلى مكة باكيًا وقت خروجه منها وقال بأنّها أحبُّ البقاع إلى قلبه، ولولا أنّ أهلها أخرجوه منها لما خرج، وهذا يدل على المكانة العظيمة لمكة في قلب النبيّ الأكرم -عليه الصلاة والسلام-، وبالرغم من ذلك عاد إليها فاتحًا بعد سنوات من الهجرة لتكون فرحته بالعودة إليها غامرةً. وفي ختام كتابة بحث عن حب الوطن يجب الإشارة إلى أهمية أن أن يقدّم الإنسان مصلحة الوطن على مصلحتِه الشخصية، وهناك العديد من المظاهر التي تعكس المواطنة الحقيقيّة، والتي تدلّ على حب الإنسان لوطنِه الذي يعيش فيه، ومن أهمّها المحافظة على الممتلكات العامّة، والسعي إلى إحداث التطوّر في شتى المجالات، وهذا الأمر دفع العديد من المواطنين في شتى أنحاء العالم إلى البحث عن التجارب العلمية أو الثقافية خارج الوطن، ومحاولة تطبيق ما يصلح منها داخل الأوطان لإحداث النهضة، فالأوطان لا تنهض إلّابمن يحبّها من أبنائها حُبًّا حقيقيًا لا تشوبه شائبة.
عند كتابة بحث عن حب الوطن فإنّه سيتم تناول إحدى أبرز الموضوعات التي تمسّ كلّ إنسان يعيشُ في وطنه، فالمشاعر التي يحملها الإنسان عندما يُحبُّ وطنه تختلف عن أيّ مشاعر أخرى، فهو ينتمي إلى الوطن الذي يمارس فيه حياتَه اليومية، ويعيش من خيراته، ويتنفس هواءَهُ، وهناك بعض الظروف التي قد تطرأ على حياة الإنسان وتجعله يعيش بعيدًا عن وطنه بسبب ما تفرضه ظروف العمل، أو بسبب وجود الحروب التي تجعل الإنسان يبحث عن دول أكثر أمنًا من وطنه، وهنا يشعر المواطن الحقيقيّ بالغربة عن وطنه، ويزداد اشتياقه له أضعافًا.
بذلك تبقى كافة مدن الوطن وقراها وشوارعها، تاريخاً وحضارة ونضالاً وتراثاً مهماً في عقول كل ساكنيه جسداً وروحاً؛ تتجسد معالمها وتضاريسها ومبانيها وطبيعتها في العيون لكل الأجيال القادمة، وبذكراها العطرة التي تهب بر الأثير ببيارات برتقالها وبساتين فواكهها وأزهار ربيعها التي يندر وجودها في أماكن أخرى كي نسجلها للأجيال القادمة ليتشرف ترابها فيزداد التصاقاً بها، حتى يكون حافزا لها على أن يحثهم ويحفزهم ليعملو للعودة إلى هذا الوطن. إن تدوين التاريخ شيء مهم في الكتابة عن البلد الذي يحبه، فأنت تقوم بتحويل الأحجاز والأزهار والناس والماء والهواء إلى كلمات، لكن الكلمات نفسها مهما كانت متقنة لرسم اللوحات التي تتخيلها من أمكنة وأزمنة مضت أو ما زالت، فهي لا تتعدى أن تكون ظلالاً باهتة مهما وعت الذاكرة لحياة كانت أغنى وأكثر جمالاً وكثافة، ومليئة بالتفاصيل التي يصعب استعادتها مرة أخرى في ذاكرة الأجيال الجديدة، إلا أن عظمة الأوطان تقاس بغظمة تاريخها الذي تصنعه العقول، وعرق أبنائه وسواعدهم. وأخيرا إن من لا يملك انتماءً للأرض التي ربى عليها آباؤه وأجداده وهو نفسه، لا يملك الحق لأن يحمل جنسيتها ويأكل من خيراتها ويعيش على أرضها وبين أهلها وينال من رزقها.