تُرتكب عادةً مخالفات إدارية أو ما يُطلق عليها في أوساط الفقه القانوني الإداري (جرائم إدارية) من أصغر الصغائر إلى أكبر الكبائر من جانب الموظف الحكومي. وقد تكون هذه المخالفات قد وقعت داخل أو خارج أروقة مقر العمل الحكومي، سواءً أثناء ساعات العمل أو خارجه؛ بسبب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل أو غير ذلك. وبما أن الغالبية العظمى من تلك المخالفات تقوم الجهة الحكومية التابع لها الموظف المنسوبة إليه التُهمة بمباشرتها متى ما اقتنعت باحتمالية وقوعها؛ فإن طلب التحقيق مع الموظف المتهم يصدر من إدارة المتابعة أو الإدارة القانونية-بحسب الأحوال-إلى صاحب الصلاحية الذي يصدر بدوره قرارًا بتشكيل لجنة وبإحالة الموظف المتهم إلى التحقيق واستدعائه إلى طاولة الاتهام؛ للتأكُّد ما إذا كان الموظف المتهم بريئاً من التهمة-وهو الأصل الذي لا يجب على الجهة الإدارية الانفكاكُ عنه أو افتراض ما هو دونه-أو مُذنباً، بحسب ما تتوافر من أدلة أو قرائن محيطة بالقضية. ضمانات التحقيق مع الموظفين - جريدة الوطن السعودية. وفي الافتراضية الأخيرة(أن يكون مذنبًا) تقوم اللجنة بعد إغلاق محضر التحقيق بكتابة النتائج والتوصيات إلى صاحب الصلاحية بإيقاع إحدى العقوبات الواردة على سبيل الحصر في نظام تأديب الموظفين، بمعنى أنه لا يجوز للجهة الحكومية إيقاع أية عقوبة خارج نطاق هذا النظام، وإلا كان قرارها مشوباً بعيب من عيوب أركان القرار الإداري، ومُعرَّضاً للإلغاء؛ متى ما تمت المطالبة بذلك قضاءً، مع العلم أنه صدر مؤخراً نظام جديد المسمى بنظام الانضباط الوظيفي، والذي سيدخل حيّز التنفيذ بمضي 180 يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ليأخذ مكانه مع النظام السابق ذكره.
ويتابع: "إن أمام الموظف نحو شهرين ليتظلم في الوزارة التابع لها، أما المحاكم الإدارية فلن تنظر في قضيته إلاّ بعد مضي شهرين، وخلال الشهرين يراجع وزارته". أمين البديوي أما الباحث "منصور آل بن علي" فيرى بأن مرتكب الخطأ في وظيفته لا بد أن يحاسب من مقبل مرجعه، مضيفاً "إن القانون يخول بأن يحول مرتكب الخطأ إلى الجهة المختصة التي قد تكون خارج نطاق عمله، مثل هيئة الرقابة والتحقيق". لائحة تأديب الموظفين: التحقيق سري.. وفصل الموظف بشروط. ويتابع "إن المخالفات البسيطة تنظر في الجهة الحكومية، وإن كانت المخالفة كبيرة ومن العيار الثقيل يجب أن تنظر فيها جهة أعلى من مؤسسته التي يعمل فيها"، مشيراً إلى أن هناك مؤسسات حكومية فيها أكثر من جهة، ف"من الضروري إيجاد لجان تحقيق في الفرع نفسه"، مستدركاً "لا بد أن يكون الموظف في لجان التحقيق مختصا في الإدارة، وبخاصة إن عرفنا بأن هناك أشخاصا غير مؤهلين يقومون بغير مهامهم نظرا لنقص الموظفين". أحمد الحجي التأهيل ضرورة من جهته يشدد مدير فرع وكالة الأحوال المدنية في محافظة القطيف "أحمد عبداللطيف الحجي" على أن من المهم أن يكون الموظف في لجنة التحقيق كفئا، ليتفق بذلك مع "المزين" في شكل كامل، ويضيف: "على الشخص المختار في مثل تلك الوظائف أن يكون مستواه العلمي أفضل من أقرانه في العمل، وألا يكون في نفس مستوى الموظف أو أقل منه".
كما أن تفعيل ضمانات التأديب لن يكون مؤثرا إلا بوعي الموظفين بارتباط حقوقهم بها، إذ يمثل هذا الوعي الضمانة الأساسية في مواجهة تجاوزات سلطة الإدارة وتعسفها في مرحلة التحقيق.
إضافة إلى ما سبق، فإن المحققين أيضا لا يجدون الاهتمام الكافي، بالرغم من أنهم العنصر الرئيس في مهمة التحقيق، وبالتالي لا يجدون التدريب الكافي، والأكفاء منهم لا يناط بهم مهام التحقيق إلا نادرا، وبشكل عام فإن المحققين في إدارات المتابعة غير ملمين بضوابط التحقيق وضماناته، وتحرص البيروقراطية على مثل هذا الوضع حتى لا يخرج أحد الموظفين عن السيطرة، وبالتالي عدم تحقيق شهوة الانتقام والتنكيل لدى الرئيس الإداري. ولهذا أصبح التحقيق الإداري وسيلة تنكيل وانتقام وإقصاء وانتهاك لحقوق الإنسان بدلا من أنه وسيلة من وسائل التثبت والتحقق والتبيّن وحفظ الحقوق. والسؤال المطروح هنا: هل صحيح ما تدعيه بعض الجهات الحكومية أن الضمانات والضوابط غير منصوص عليها في الأنظمة؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن ضمانات التحقيق متعددة، ويصعب إحاطتها في مقالة واحدة، لذا سيتم التركيز على أبرزها كأمثلة فقط، والتي منها ما يلي: أ. يجب إحاطة الموظف علما بما نسب إليه من اتهامات، ومنحه فرصة لإعداد دفاعه قبل الجلسة المحددة لذلك. ب. يجب تحقيق دفاع المتهم، وذلك من خلال شهود النفي والإثبات، وإطلاع جهة التحقيق على ما يقدمه المتهم من أوراق أو سجلات رأى أهميتها في نفي الاتهام عن نفسه.